اليوم نقف صامتين أمام من علّموا الصبر معنى جديدًا، وصاغوا من الألم دروسًا خالدة في كتاب الإنسانية. هم الذين نزفت أرواحهم قبل أجسادهم، والذين حملوا أوجاعهم على أكتافهم كجبال لا تنهار.
نقف عاجزين كما كنا دومًا، بلا حيلة ولا وسيلة، بلا صوت ولا سند، وكأن هذا العالم قرر أن يُسكت ضميره إلى الأبد. لا فضل لأحدٍ عليهم سوى دمائهم التي سالت في صمت، حطام منازلهم الذي صار شاهدًا على الخذلان، ودموع أمهاتهم التي غرقت فيها دعوات الليل.
اليوم، يخجل العالم بصمته، بانحناء كرامته أمام قوة من لا يملكون سوى الحق والوجع. نحتفل بعجزنا، بضعفنا، وبخيانة أقلامنا التي أضحت رخيصة لا تجرؤ على حمل الحقيقة. اليوم فقط، توقف نزيف كرامتنا، ليس برحمة أو عدل، بل لأنهم من عمق صبرهم أوقفوا العبث بنا، ورفعوا رؤوسهم فوق كل هذا الخراب.
هم من لم تهن أرواحهم، ولم تندم قلوبهم، بقوا أعلى جباه وأصدق فعلاً، رغم كل ما فقدناه من تاريخنا، وحاضرنا، ومستقبل أطفالنا. اليوم، يعلموننا أن الخسائر ليست نهايات، بل بدايات لا يفهمها سوى من عاشوا النار، وخرجوا منها أنقى وأصلب.
فهم الأعلى مقامًا، وهم ليسوا بالفصل الأخير في كتابٍ كُتب بدمائهم، لا بأحبار زائفة