القرار الأخير للبنك المركزي الأردني المتعلق بإعفاء المواطنين من عمولات المدفوعات والفواتير الحكومية المسددة إلكترونيا عبر نظام "إي فواتيركم" تمثل خطوة مالية تحفيزية جوهرية تهدف إلى تعزيز الشمول المالي ودعم التحول الرقمي في المملكة، فهذه الإجراءات تنسجم مع الإستراتيجية الوطنية للتحول إلى مجتمع رقمي غير نقدي، كما أنها تتماشى مع رؤية التحديث الاقتصادي التي تركز على تسهيل وصول المواطنين إلى الخدمات المالية بأسلوب مستدام ومنخفض التكاليف. الهدف الأساسي من هذا الإعفاء هو تشجيع المواطنين على استخدام القنوات الرقمية لتسديد مدفوعاتهم الحكومية بدلا من الأساليب التقليدية، بما يسهم في تحسين كفاءة تحصيل الإيرادات الحكومية وزيادة معدلات التحصيل بشكل عام، إذ ان الإعفاء يغطي المدفوعات المتعلقة بالجهات الحكومية التي تدخل موازناتها ضمن الموازنة العامة، إضافة إلى خدمات الضمان الاجتماعي، الجامعات الرسمية، والقوات المسلحة، ومن المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى تخفيف الأعباء المالية على المواطنين، لا سيما في المناطق النائية التي تواجه تحديات في الوصول إلى مراكز الدفع التقليدية. من الناحية الاقتصادية، يساهم هذا القرار في تطوير بنية تحتية رقمية متقدمة ويعزز من انتشار نظام "إي فواتيركم"، الذي أصبح منذ إطلاقه عام 2014 أحد الركائز الأساسية للحكومة الإلكترونية. هذا النظام يتيح مرونة وسرعة في الدفع، ويوفر الوقت والجهد على المواطنين، إذ يغنيهم عن تكاليف التنقل والانتظار في الطوابير. علاوة على ذلك، يقلل من الاعتماد على النقد الورقي، مما يساهم في خفض التكاليف المرتبطة بالطباعة والنقل والحفظ، ويعزز من كفاءة العمليات المالية والاقتصادية. التحول الرقمي المدعوم بمثل هذه الإجراءات يعكس التزام الأردن بتبني الممارسات العالمية التي تسعى إلى تحقيق الكفاءة المالية وتقليل مخاطر التعاملات النقدية، كما يعزز من الحوكمة المالية من خلال إنشاء قاعدة بيانات دقيقة يمكن الاعتماد عليها في اتخاذ القرارات المالية على مستوى الدولة. البنك المركزي الأردني أنشأ منظومة متكاملة للدفع الإلكتروني تشمل نظام "إي فواتيركم"، الذي يتيح للمواطنين دفع الفواتير إلكترونيا بكل سهولة وأمان، ونظام "كليك" لتحويل الأموال بسرعة وكفاءة، مما يعزز التحول الرقمي ويخدم أهداف التنمية الاقتصادية. احصائيا، تجاوز عدد مستخدمي "إي فواتيركم" 4.5 مليون مستخدم حتى الآن، وبلغ عدد الفواتير المسددة عبره حوالي 242 مليون فاتورة بقيمة قاربت 69 مليار دينار حتى نهاية عام 2024، فهذه الأرقام تعكس الإقبال المتزايد على الخدمات الرقمية ودورها في تحسين جودة الحياة، فضلا عن دعم الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الكفاءة المالية والشفافية في التعاملات. القطاع الخاص يشكل جزءا لا يتجزأ من هذا النظام، حيث تشارك فيه شركات الاتصالات والمياه والكهرباء والمؤسسات التعليمية والصحية، فهذا التكامل بين القطاعين العام والخاص يعزز من مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ويرفع كفاءة التحصيل المالي. الإعفاء من العمولات يمثل حافزا إضافيا للمواطنين لتبني هذا النظام، مما يسهم في تحقيق الأهداف الإستراتيجية للتحول الرقمي وتعزيز جودة الحياة، وهذا القرار لا يقتصر على تحقيق الكفاءة المالية، بل يرسخ أيضا ثقافة التعاملات الرقمية، مما يسرع عملية التحول التدريجي والمستدام نحو اقتصاد رقمي متكامل في الأردن.
الدرعاوي يكتب: قرارات تحفيزية جوهرية
مدار الساعة (الغد) ـ