مدار الساعة -
من خلال الزجاج الأمامي لسيارته، وفي مرآة السيارة، يستطيع مصطفى القادري أن يرى بقية القافلة الطويلة وهي تتجه نحو وادي الأردن، ونحن نمر عبر أرض رملية صخرية تنحدر باتجاه البحر الميت، باتجاه إسرائيل وفي النهاية غزة. أولاً، يجب أن تمر القافلة عبر الجمارك الإسرائيلية عند معبر الملك حسين/ جسر اللنبي، ثم تتجه إلى معبر بيت حانون/معبر إيريز إلى غزة حيث سيتم نقل المساعدات إلى السائقين المحليين من برنامج الغذاء العالمي.
يتجه مصطفى نحو مكان أغلق فيه المستوطنون الإسرائيليون الطرق، وحيث تقوم عصابات داخل منطقة الحرب نفسها باختطاف شاحنات المساعدات، ولكن في هذا الصباح الشتوي المشمس، يشعر السائق بالسعادة. ويقول: "نحن نحمل المساعدات مثل الطعام والأدوية لإخواننا في غزة".
وتتكرر كلمة "إخوان" في إجاباته، إنه لا يشير فقط إلى الإنسانية المشتركة، أو الأخوة العربية، بل إلى حقيقة أن العديد من الأردنيين لديهم جذور فلسطينية.
ويقول مصطفى: "إن تسليم هذه المساعدات هو عمل طيب، إنه يجعلني سعيداً".
ويلّوح السائقون للمتفرجين ويطلقون أبواق سياراتهم. فقضية غزة قضية شعبية في الأردن. يتنافس الضجيج مع صفارات الإنذار التي تصدرها الشرطة المرافقة، بما في ذلك شاحنتان محملتان بمدافع رشاشة. بالطبع، لن تعبر هذه المرافقات إلى إسرائيل، ناهيك عن غزة.
وتتضمن هذه العملية الأخيرة 120 شاحنة، وهي الأكبر منذ بدء الحرب في أكتوبر/ تشرين أول 2023. إن المساعدات الأردنية هي إشارة إلى سكان غزة بأنهم لم يُنسوا، من قبل جيرانهم على الأقل.
وقد دفع جلالة الملك عبد الله الثاني، شخصياً جهود المملكة لإدخال الغذاء والدواء والوقود إلى غزة. ووعد المجتمع الدولي بزيادة المساعدات بمجرد إرساء وقف إطلاق النار.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "من الضروري أن يزيل وقف إطلاق النار هذا العقبات الأمنية والسياسية الكبيرة التي تحول دون توصيل المساعدات عبر غزة، فالوضع الإنساني وصل لمستويات كارثية".
تسعون في المئة من سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة نازحون، ويعتمد ما يصل إلى مليوني شخص على المساعدات.
ويأتي هذا بعد 15 شهراً من الحرب حيث اتهمت الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة إسرائيل بعرقلة أو تأخير توزيع المواد الغذائية والأدوية والوقود الحيوية بشكل متكرر، فيما تنفي إسرائيل أنها تعرقل المساعدات. ولكن في مرحلة ما هددت الولايات المتحدة بقطع المساعدات العسكرية لإسرائيل بسبب انخفاض مستوى المساعدات التي تصل إلى غزة.
وفي دير البلح وسط غزة، شهد صحفي من بي بي سي، مشاهد مؤثرة لأطفال منهكين يتصارعون مع بعضهم البعض وهم يقفون في طوابير للحصول على الطعام، وتوترت أعصاب الشباب الذين يأتون كل يوم لجمع الأرز أو الخبز لإحضاره إلى أسرهم.
تقول فرح خالد بصل البالغة من العمر عشر سنوات، من منطقة الزيتون، إنها جاءت لإطعام أشقائها التسعة، وقد كانت تنتظر في مركز تديره مؤسسة مطابخ الغذاء العالمية، التي قُتل سبعة من عمال الإغاثة فيها في غارة جوية إسرائيلية في أبريل/ نيسان الماضي.
وانفصلت أسرة فرح عن والدها الذي يعيش شمال قطاع غزة، وأخبرت مراسلنا أنها كانت تحلم باستمرار بوقف إطلاق النار، قائلة "أريد أن أعود إلى بيتنا وأن يعود والدي إلينا وأن يتوفر لدينا الطحين".
لميس محمد الميزرعي تبلغ من العمر 16 عاماً وهي من مدينة غزة، تعيش الآن في خيمة مع ثمانية أفراد من أسرتها، وتتذكر لميس موقفها من الطعام قبل الحرب، وكأنها لا تصدق ذلك.
وتقول "كنت انتقائية، عندما كانت أمي تصنع القرنبيط (الزهرة)، اعتدت أن أشتكي من ذلك"، وتضيف "نحن نأكل القرنبيط كل يوم، أريد وجبة مختلفة باللحم أو الدجاج، لكنني الآن آكل كل شيء، الجيد والسيء. لا تأكل الحيوانات الطعام الذي نأكله".
وأوضحت كيف يخلق الجوع توترات عائلية، بقولها "عندما أخبر أمي أنني لن أقف في الطابور اليوم، تقول لي، ماذا سنأكل إذن؟ هل يجب أن نستمر في النظر إلى السماء إذن؟".
وتضيف "لابد أن آتي إلى هنا، وأظل أفكر أنه إذا لم آتي فلن نجد شيئاً نأكله. في الماضي، كنت أفكر يومياً في المكان الذي سأخرج إليه، وماذا سألعب، وماذا سأدرس، ومتى سأخلد إلى النوم. كان لدي غرفتي الخاصة، ومطبخ. وكانت هناك غرفة معيشة وكنت أستقبل الضيوف".
وبعد أن جمعت إناء الأرز، سارت لميس إلى منزلها، متجاوزة صفاً من الكبار والصغار الذين وصلوا إلى المطبخ، كانت تتمتم لنفسها وهي تختفي بين الحشود المنتظرين منذ الصباح.
وفي عمّان، يحضّرون المزيد من المساعدات لتوصيلها إلى غزة. وتقول الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية إنها تستطيع تحميل 150 شاحنة يومياً إلى غزة إذا حصلت على الضوء الأخضر. ولا يوجد نقص في الاستعداد. وكالات الإغاثة والأمم المتحدة وغيرها من المنظمات مستعدة. وهم جميعهم ينتظرون فتح غزة بالكامل للمساعدات، وللسلام.
وتاليا الفيديو الذي نشرته "بي بي سي":
