أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

المومني يكتب: لا شكر على واجب


جهاد المومني

المومني يكتب: لا شكر على واجب

مدار الساعة (الدستور) ـ
الكلفة الحقيقية لنصرة أهلنا في غزة ليست في قيمة المساعدات التي اوصلها الاردن الى القطاع وهي كثيرة، وانما في ثمن المواقف السياسية المشرفة التي وقفها الاردن ويقفها اليوم تنديداً بالعدوان الاسرائيلي ونصرة للغزيين والفلسطينيين عموماً في مواجهة الظلم التاريخي الذي يتعرضون له، واستنكاراً للمواقف المخزية للدول الكبرى من حرب ابادة مثبتة بالادلة والبراهين التي لا يمكن دحضها، الفاتورة الحقيقية التي يترتب على الاردن دفعها لا علاقة لها بالطحين والخيام والعلاجات والمستشفيات الميدانية ومواد التموين، فهذه ابسط الاثمان التي يدفعها الاردن في مقابل تقديم رغيف خبز لطفل جائع في غزة، او انقاذ حياة سيدة جريحة في احد المستشفيات الميدانية الاردنية، الثمن الحقيقي لفزعة الاردن يأتي مرتداً وعلى شكل مواقف غربية صامتة قد لا يشعر الاردنيون بها لكن تداعياتها مكلفة جداً لم تتجرأ دول بامكانيات تفوق امكانيات الاردن بعشرات الاضعاف على المجازفة بتحملها ..!
هددتنا اسرائيل وعاتبنا داعموها، وليس عتاب هؤلاء كعتاب سواهم، ففي لغة الدبلوماسية يترجم العتاب الى ضغينة سياسية لا تعرف حدودها ولا تبعاتها بالنسبة لبلد يعتمد في الكثير من برامجه الاقتصادية والتنموية على علاقاته مع دول داعمة لاسرائيل وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية، ومع ذلك بقي الاردن شوكة في حلق اسرائيل يتصدى لروايتها في كل المحافل الدولية، وظلت لغة الادانة والتنديد بما تفعله اسرائيل هي لغة الخطاب الاردني الى العالم، ومما يثلج الصدور ان صوت الاردن كان ولا يزال مسموعاً ومقدراً ويحظى بالثقة في مؤسسات الحكم على مستوى العالم، ولا يزال ماثلاً في الاذهان خطاب جلالة الملك امام الجمعية العامة للامم المتحدة وهتاف ممثلي الامم الذي دوى في اروقة المجلس مؤيداً للسردية الاردنية لحقائق التاريخ والجغرافيا، وكلمات جلالة الملك بوجه الوفد الاسرائيلي ورسالته الى غلاة المتطرفين في حكومة نتنياهو.
لا احسب ان الاردن تردد او فكر بالتراجع عندما تصدي بحزم لمخطط التهجير او اقلقه الثمن السياسي الذي سيترتب على وقفته الشجاعة والفريدة في عالم اما انه متواطئ او صامت، ولا احسب ان الاردن بحكمته وحنكته السياسية لم يكن يدرك ان لمواقفه الصلبة اثمان عليه ان يسددها إن لم يكن اليوم ففي المستقبل، لكنه مع ذلك واصل حربه الدبلوماسية بلا كلل او تردد فكانت له روايته المصدقة عن الاحداث وعن جذور الصراع وحقيقته ومخاطر الصمت ازاء ما تفعله اسرائيل وتخطط له، وعندما شعر المتطرفون في حكومة نتنياهو ان الاردن يستغل علاقاته واحترام العالم له لفضح جرائمهم بحق الفلسطينيين، بدأت اصوات الترهيب تظهر في اسرائيل وسمعنا تهديدات واضحة للاردن وقيل ان على الاردنيين ان ينتبهوا لانفسهم والا فأن عليهم ان يتحملوا نتائج هذه الشجاعة المزعجة لاسرائيل ..!
لم تثني تهديدات اليمين الاسرائيلي الاردن عن عزمة مواصلة القيام بدوره العروبي، ولم يضع بحسبانه مقدار الربح او الخسارة حين تعلق الامر بارواح بريئة تزهق ظلماً في غزة ومنازل ومستشفيات تدمر، وحين يتعلق الأمر بمخطط تجويع وتهجير واعادة كابوس الاحتلال والاستيطان، لم يضع الاردن حدوداً لمواقفه وافعاله، ولم يتقدم خطوة ليتراجع أخرى، ولم يناور او يتردد، أبقى على جذوة نخوته في نصرة غزة مشتعلة لم تخمد، وحافظ على حكمته ورزانته في تشخيص الواقع للعالم، والى ما قبل لحظات من اتفاق وقف اطلاق النار كانت الدبلوماسية الاردنية حاضرة لتنصر الحقيقة وتطالب برفع هذا الظلم التاريخي عن اهلنا في غزة.
لا حدود مشتركة بين الاردن وقطاع غزة، بيننا وبينهم احتلال وقوة غاشمة تنتهك الحياة الانسانية، ومع ذلك قطعنا الطريق الى هناك جواً وبراً واقمنا مستشفيات وارسلنا طواقم طبية ومعونات وأوصلنا الخبز ومياه الشرب والخيام والادوية والملابس والكثير الكثير مما يسهم في ثبات الغزيين وصمودهم، مد الاردنيون اذرعهم وتبرعوا بدمائهم، ورفعوا اصواتهم في جميع المدن والقرى الاردنية منددين بالعدوان ومناصرين للاهل في غزة، لم يطلب الاردن شكراً على واجب، ولا انتظر مقابلا لما يقدمه ويفعله، وكل ما في الامر أننا نعيش ونتفاعل مع اوجاع اشقائنا مدوفعين بعروبتنا وباخلاقنا ونخوتنا الاردنية.
مدار الساعة (الدستور) ـ