أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات أحزاب رياضة وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الجبور تكتب: الحذر يغلف التواصل المغربي مع حكام سوريا الجدد


د. آمال الجبور
كاتبة وصحفية اردنية

الجبور تكتب: الحذر يغلف التواصل المغربي مع حكام سوريا الجدد

د. آمال الجبور
د. آمال الجبور
كاتبة وصحفية اردنية
مدار الساعة ـ
مدار الساعة - كتبت د. آمال جبور:
بينما تسارعت البوصلة الدبلوماسية العربية والدولية في الايام الاولى من سقوط نظام بشار الاسد للتواصل مع الحكام الجدد في سوريا، انتظرت الدبلواسية المغربية 22 يوما اتصل بعدها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة مع القيادة الجديدة في سوريا لتأكيد دعم الرباط للشعب السوري وسيادته ووحدة اراضيه.
وهذا التأخر يطرح سؤالا :هل هذا التأخر مرتبط بنهج الدبلوماسية المغربية المتأنية دائماً في التعامل مع الاحداث الدولية والاقليمية، ام ان للرباط قراءات اخرى مما يحدث ؟
فاذا كانت سياسة التأني هي التي تحكم خطوات الرباط نحو سوريا اليوم، فلا يمكن للمتابع استبعاد ما آلت اليه العلاقات السورية المغربية المتأرجحة بين الفتور والبرود منذ ستينيات القرن الماضي، والتي اتسمت بالمحدودة وغير الاستراتيجية، وتوقفت نهائيا عام 2012 بالاعلان الرسمي لقطعها مع النظام السوري الاسدي باغلاق السفارة المغربية في دمشق، والطلب من السفير السوري في الرباط مغادرتها، ردا على الجرائم التي ارتكبها النظام السوري بحق المتظاهرين في الثورة الشعبية السورية التي اندلعت عام 2011 واستمرت نحو 13 عاما انتهت باسقاط المعارضة السورية للنظام في 8 كانون الاول 2024 .
لكن حكام سوريا اليوم، ليسوا حكام الامس، وهم ذاتهم من اسقطوا النظام الاسدي الذي دخل في نفق مسدود مع الرباط لمعاكسته لاهم ملف يمس السيادة المغربية وهو ملف "الصحراء المغربية" وبالتالي، هل التروي والتأني من جانب الرباط ينتظر مزيدا من الوضوح حول الواقع الجديد الذي يتشكل في سوريا بمفاعيله المتعددة وتداعياته على المنطقة والاقليم، بالرغم من الاشارات الدولية والاقليمية لتثبيت الاستقرار والامن في سوريا؟
يبدو، ان الارضية التي يقيس بها المغرب خطواته نحو سوريا الجديدة تحكمها حسابات الربح والخسارة، خصوصا ان سقوط نظام الاسد على يد المعارضة السورية هو سقوط للمقاربة السياسية التي اعتمدتها سوريا الاسد في قضايا مرتبطة بالامن والسلم الاقليمي، وهذا السقوط هو نصف الطريق للوصول الى دولة سورية دستورية تحترم سيادة الدول، فهل ستؤول التطورات مع حكام سوريا الجدد نحو هذه الدولة التي تحترم سيادة الدول الاخرى، وهو الشرط الذي ترتكز عليه المغرب في نسج علاقاتها مع شركائها الاقليميين والدوليين؟ مع اقتراب زيارة مغربية لسوريا الجديدة خلال الايام المقبلة حسب تسريبات صحف مغربية.
وبالتالي ، اذا تمت الزيارة المرتقبة، فكيف لنا قراءة ما سترشح له اعادة فتح القنوات الدبلوماسية مع الواقع الجديد الذي يتشكل في سوريا، وتداعياته على شراكات الرباط الاقليمية والدولية والعربية من جانب، وانعكاسه على ملفات مهمة بالنسبة للرباط تحكمه حسابات متعلقة بالدرجة الاولى بـ "ملف الصحراء" هذا الملف الذي تعده الدبلوماسية المغربية المنظار الذي ترى به علاقاتها وتفاهماتها الاقليمية والدولية، وهو الملف نفسه الذي رفع مستوى الخلافات مع النظام الاسدي وتحالفاته الايرانية واذرعها مثل"حزب الله" الداعمة للطرف الاخر في النزاع مع المغرب المتمثل في جبهة "البوليساريوالانفصالية"؟
وبالتالي، لو اردنا ان نضبط معادلة العلاقات المغربية–السورية القادمة، فيمكن قراءتها بمسارين، يتسم الاول بالتوازن نحو سوريا الجديدة، مستندا الى أمرين: الاول يرتكز على العقيدة الدبلوماسية الواضحة للرباط المرتبط بـ"ملف الصحراء" كمنظار اساسي تنتهجه في بناء شراكاتها الدولية والاقليمية ولا تفاوض عليه، وبالتالي فان دبلوماسيتها تراقب وتنتظر على المدى المتوسط بأقل تقدير موقفً داعماً لحكام سوريا الجدد لهذا الملف، بخلاف الموقف السابق لنظام الأسد الذي اعترف بجبهة "البوليساريو" واحتضن تمثيلية عامة لها في دمشق.
والثاني، مرتبط بأرصدة الرباط المتراكمة، والتي اكتملت تجلياتها منذ عام 2012، بتفضيلها الحل السلمي للأزمة، ودعمها للشعب السوري ومطالبه، رافضة طريقة نظام الاسد في التعامل مع مطالب شعبه بالقتل والتدمير، متخذة قرارها انذاك بسحب سفيرها من دمشق، ومطالبة سفير النظام بمغادرة الرباط، كموقف سياسي واضح، مع انخراط الرباط بجدية ودينامية في جميع القرارات والمبادرات العربية والدولية التي هدفت منذ اندلاع الازمة السورية الى تسوية الازمة واعطاء جميع الفرص لوقف القتل والعنف، مستضيفة أيضا مؤتمر"اصدقاء سوريا" في مراكش عام 2012، بحضور 114 دولة، وعلى الارض المغربية تم اقرار الائتلاف السوري المعارض ممثلاً شرعيا للشعب السوري.
وبالتالي هذا الرصيد المغربي في مساره السياسي تجاه دعم الشعب السوري رافقه مسار إنساني تجاه النازحين واللاجئين السوريين، وفي هذا المسار لا تغيب عن حسابات المغرب أيضا في دعم الشعب السوري الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس كاول قائد عربي لمخيم اللجوء الانساني في الاردن" الزعتري" والدعم في اقامة مستشفى جراحي ميداني ولمدة 8 أعوام، وبالتالي كل هذه المسارات تجاه الازمة السورية ببعديها السياسي والانساني تعدها الرباط ضمن ارصدتها التي ستبني عليها علاقتها القادمة مع الحكام الجدد في سوريا، وتنتظر منهم في حالة الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة السورية، موقفاً واضحاً ومساند لقضية "الصحراء المغربية".
وبناء على ما سبق، اذا صحت هذه القراءة، فإن الرباط في سياستها المتأنية اليوم تجاه حكام سوريا الجدد تركز على نوع من الاحترام كونهم معارضة سورية اخذت شرعية شعبية، وبالتالي فأن الموقف المغربي تجاه "الازمة السورية" قبل اكثر من عقد، ثم مع "سوريا الجديدة" اليوم له منطلقاته المحددة القائمة على احترام السيادة الوطنية للشعب السوري ووحدة اراضيه، انطلاقا من هذه المحددات، فان الرباط على ما يبدو تتخذ موقف المترقب من الحجيج الدبلوماسي الاقليمي والدولي تجاه سوريا، مع امتلاكها قراءة عميقة للوضع الداخلي السوري وطبيعة التفاعلات الجيوسياسية مع الفاعليين الاقليميين والدوليين وموازين القوى الآفلة والقادمة للمنطقة ومدى تفاعل الحكام الجدد في سوريا مع هذه التحولات، مما سيلزم الرباط على الارجح على المدى المتوسط باتخاذ سياسة الحذر واليقظة وعدم التسرع، لتتزود برؤية أوضح لرسم خريطة دبلوماسيتها مع سوريا الجديدة تتوافق مع عقيدة الرباط في بناء شراكاتها والحفاظ على مصالحها الاقليمية والدولية والتزاماتها تجاه الحضن العربي.
مدار الساعة ـ