.. في تركيا حين تبني منزلا، لا تمنح رخصة للبناء إن لم تضع سارية أمام المنزل يرفع عليها العلم التركي في المناسبات الرسمية، الأميركان صارت لديهم عادة أن توضع السارية قبل انتهاء البناء.. وفي أوروبا، من المستحيل أن يلعب المنتخب الفرنسي دون أن تترس الساحات بالعلم..
في الأردن لدينا الصورة مختلفة، فأنت حين تسير في الصباح وتنظر للزجاج الخلفي في السيارات التي تمر من جانبك، تكتشف أن ما يلصق على الزجاج موزع بين صور لقادة رحلوا في العالم العربي، وأحيانا أسماء المحافظات التي ينتمي لها صاحب السيارة، وفي بعض الأحيان اسم العشيرة التي منها مالك السيارة.. أنا لا أفهم ما هو المقصود بوضع أسماء عشائرنا على زجاج السيارات؟
وأحيانا تجد عبارات تافهة وسخيفة من شاكلة: (اشتريناها بالدين الله يحرسها من العين).. وعبارات أخرى أكثر سخافة وتفاهة من شاكلة: (لا تلحقني مخطوبة)..
العشائر الأردنية لها تاريخ عظيم في حماية البلد وصون أمنه، في الدفاع عن فلسطين والمشاركة في معارك العروبة، العشائر الأردنية ليست للاستعراض ولا للتمييز.. ولا للمباهاة، ولا أعرف حقيقة كيف تتم مخالفة رجل يتجاوز من اليمين بالمقابل يتم الصمت، عمن ينظر لعشيرته على أنها اسم يعلق على زجاج السيارة.
لو كانت هذه السيارات ترفع علم البلد، لصمتنا لأن الراية الوطنية جامعة للكل: للعشيرة، للمخيم، للبادية.. وهي مصانة، ولها قانونها، وهي رمز للدولة وتعبير عنها.. ولكن أن نقفز عن الراية بوضع أسماء العشائر، فهذه في نظري تعتبر ضيق أفق، وتشكل امتعاضا لكل من يرى العبارة على زجاج السيارة.
أنا لا أعرف لماذا تطبق دائرة السير القانون بحذافيره على من يتجاوز السرعة، أو ينتهي ترخيص مركبته، بالمقابل تتجاوز عمن يقفز عن الوطن وتاريخه إلى تعبيرات ضيقة مرتبطة بالمحافظة والعشيرة.
نريد منظومة حزبية، ونريد مجتمعا متطورا، نريد اقتصادا منفتحا.. نريد أن نلحق بالعالم في مجال التقنية، نريد شركات ريادية.. نريد احتراما للإنسان، ونريد مواطنة حقيقية.. كل ذلك ينهار حين تخرج في الصباح، ويداهمك (بكم) عليه صورة صقر واسم العشيرة يحيط بالصورة.. والشماغ مركون على زاوية الزجاج الخلفي..
دائرة السير تجيد المخالفات، أما حفظ الأثير الوطني، وحماية الوجدان.. فهذا ليس من اختصاصها.. يا ترى متى ندرك أن زجاج السيارة خلق لحماية السائق من المؤثرات الجوية وتأمين الرؤية له، ولم يخلق للاستعراض.