مدار الساعة - لقد كان عام 2024 عامًا رائعًا آخر بالنسبة لسوق الأسهم حيث ارتفع إلى مستويات قياسية غير مسبوقة ممددًا المكاسب الكبيرة التي تحققت في عام 2023، وقد سجل مؤشر ستاندر آند بورز 500 مكاسب بنحو 28% هذا العام، وقفز مؤشر ناسداك الثقيل بالتكنولوجيا بنسبة مذهلة بلغت 34% بينما ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 16%، وتُشكل السنوات المتتالية من الأداء القوي لسوق الأسهم مشكلة للمتنبئين لأنها تضعهم في حيرة بين احتمالية تراجع أسعار الأسهم المرتفعة القيمة في عام 2025 أم أن الزخم سيدفع الأسهم إلى الارتفاع؟.
لماذا ارتفعت الأسهم بقوة في 2024؟
وقد عزا الخبراء ارتفاع أسعار تداول الأسهم هذا العام إلى مجموعة من الاتجاهات المواتية التي تضم: النمو الاقتصادي القوي والحماس بشأن الذكاء الاصطناعي والبدء الذي طال انتظاره لخفض أسعار الفائدة للبنك الاحتياطي الفيدرالي.
وقال الخبراء إن هذه الرياح الخلفية من المتوقع أن تستمر في دفع الأسهم للأعلي في عام 2025، لكنهم حذروا من عدم اليقين غير المعتاد الذي قد يمنع المزيد من المكاسب أو حتى تضخيمها، وقالوا إن أكبر المجهول للأسهم في عام 2025: الرئيس المنتخب "دونالد ترامب".
كانت الأخبار الجيدة وفيرة لسوق الأسهم هذا العام، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الاقتصاد تحدى المتشائمين، حيث استمر الاقتصاد في النمو بوتيرة قوية خلال هذا العام، في الوقت نفسه، انخفض التضخم بوتيرة تدريجية، وقد ساعد هذا الأداء الولايات المتحدة على البقاء على المسار الصحيح نحو "الهبوط الناعم" حيث يتجنب الاقتصاد الركود بينما يعود التضخم إلى طبيعته، وقد نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي قوي بلغ 2.8%على مدى ثلاثة أشهر انتهت في سبتمبر.
تباطؤ التضخم وتيسير السياسة النقدية
تباطأ التضخم بشكل كبير من ذروته التي تجاوزت 9% في يونيو 2022، وساعد هذا التباطؤ الذي استمر لعدة أشهر في وقت سابق من هذا العام في دفع البنك الاحتياطي الفيدرالي نحو أول تخفيض لأسعار الفائدة في أربع سنوات.
وخلال هذا العام خفض البنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي بمقدار 100 نقطة أساس، مما أدى إلى تراجع معركته ضد التضخم وتقديم بعض الراحة للمقترضين المثقلين بالتكاليف المرتفعة.
بمرور الوقت، تعمل تخفيضات الأسعار على تخفيف العبء على المقترضين في كل شيء من الرهن العقاري إلى بطاقات الائتمان إلى السيارات، مما يجعل الحصول على قرض أو إعادة تمويله أرخص، كما تعمل التخفيضات على تعزيز تقييمات الشركات مما قد يساعد في تغذية العائدات للمساهمين.
من المتوقع أن يواصل البنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة في العام المقبل، على الرغم من أن نوبة التضخم العنيدة الأخيرة قد تبطئ أو حتى توقف خفض الأسعار، تتوقع الأسواق تخفيضات تدريجية في أسعار الفائدة العام المقبل، مما يعني أن التضخم يظل تحت السيطرة وأن سوق العمل يسير بوتيرة مقبولة وأن الأسهم سترتفع، ولكن في الواقع ليس الأمر بهذه البساطة، فقد أشار بعض المحللين إلى أن سياسات ترامب قد تكون مصدر رئيسي لعدم اليقين بشأن الأداء الاقتصادي للبلاد وبالتالي سوق الأسهم.
وقال بعض الخبراء إن ترامب تعهد بخفض الضرائب على الأفراد والشركات مما قد يحفز النمو الاقتصادي ويرفع أسعار الأسهم، ومع ذلك، أضافوا أن التعريفات الجمركية التي اقترحها ترامب قد تضر ببعض المنتجين وتجار التجزئة في الولايات المتحدة الذين يعتمدون على المواد الخام المستوردة وقد يتسبب ذلك في عودة التضخم، ونتيجة لذلك، قد تعاني بعض الأسهم، في الحقيقة سيكون الموضوع الأكثر أهمية والأكثر جدلًا على الطاولة في عام 2025 هو التنفيذ المحتمل للتعريفات الجمركية.
منذ عام 1990 كان هناك 12 عامًا حقق فيه مؤشر ستاندرد آند بورز 500 مكاسب بنحو 20% أو أكثر، وقد تجاوز سوق الأسهم هذه العتبة في عام 2023 وعام 2024، وبالتالي سيكون من الصعب على سوق الأسهم تحقيق هذا الإنجاز للعام الثالث على التوالي، إذا توقعنا تكرار عام 2024 فإن ذلك سيكون أمر تاريخي، ومع ذلك، فإن الاحتمال المغري لارتفاع آخر من شأنه أن يجذب اهتمام المستثمرين مع ترقب المراقبين لأي علامات مبكرة على التباطؤ، فالفرص المتاحة للمستثمرين كثيرة ولكن العقبات كثيرة أيضا.
المخاطر التي قد تواجه سوق الأسهم في عام 2025
لقد ارتفعت أسعار الأسهم بشكل مذهل في عام 2024، ولكن الإدارة الرئاسية الجديدة والتحول المحتمل من جانب البنك الاحتياطي الفيدرالي وتحول معنويات المستهلكين قد تغير ديناميكيات السوق في عام 2025.
لا يزال مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بالقرب من أعلى مستوياته على الاطلاق في أواخر عام 2024، حيث حقق عائدًا بنسبة 28% تقريبًا على أساس سنوي، وهناك شعور متزايد في السوق بأن عام 2025 قد يجلب نفس النتائج للمؤشر.
يرجح العديد من خبراء السوق استمرار السوق الصاعد في عام 2025، مع احتمال تفوق الولايات المتحدة مرة أخرى على بقية العالم، ويعتقدوا أن الشركات الأمريكية ستحقق عوائد أقوى على الأسهم ونمو الأرباح عبر الصناعات والقطاعات، وبالتالي تقديم أداء متفوق للأسهم الأمريكية مقارنة ببقية العالم، ولكن هناك العديد من المخاطر التي قد تعرقل نمو السوق في العام الجديد التي تشمل:
1 .التضخم العنيد
يعتقد مراقبو السوق أن التضخم سيظل أعلى بشكل ثابت من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% وسيستمر حتى عام 2025، ويري أخرون أن التضخم سيبقي عند مستويات مرتفعة لمدة طويلة أو قد ينعكس للأعلي، حيث قد تشكل المخاطر مثل التوترات الجيوسياسية والعجز المتزايد وتخفيف الاحتياطي الفيدرالي المبكر للسياسة النقدية تحديًا للاقتصاد الأميركي.
تعكس أسواق رأس المال هذه الديناميكيات، حيث تظهر الأسهم بالفعل تقييمات عالية بينما تقدم الأسواق الخاصة وصناديق التحوط والمؤسسات الثانوية والائتمان الخاص توازنًا أكثر جاذبية للفرص.
لا نري انهيارًا هبوطيًا لسوق الأسهم في عام 2025 لكن من الأفضل أن نكون مستعدين، فالتصحيح السريع الذي يثير القلق هو دائمًا احتمال يجب أن تضعه في الاعتبار، إن وجود خطة مالية محددة مسبقًا يمكن أن يساعد في توجيه المستثمر عبر مثل هذه الاضطرابات.
2 .ارتفاع الدين العام
في حين أن تقييمات الأسهم مرتفعة ويجب أن تظل على هذا النحو حتى عام 2025، لا يعتقد خبراء السوق أن تقييمات الأسهم المرتفعة ستؤدي إلى انهيار السوق، ولكن عوامل أخرى قد تفعل ذلك.
يقول أحد خبراء الاقتصاد: أخشى أن تكون تكلفة الفائدة على الدين العام خارجة عن السيطرة الآن، ففي العام المالي الحالي ستنفق الحكومة أكثر من 800 مليار دولار على خدمة الدين الفيدرالي، ومن المرجح أن يتجاوز هذا الرقم تكلفة ميزانية وزارة الدفاع البالغة 850 مليار دولار وهو مبلغ مذهل، ومن المرجح أن هذا الرقم سوف يزداد سوءاً، ويضيف: "أخشى أن تأتي نقطة زمنية قريبة يطالب فيه مشترو الدين (وخاصة دول مثل الصين واليابان والمملكة المتحدة) الولايات المتحدة بترتيب أوضاعها المالية قبل أن توافق على شراء المزيد من السندات، وبطبيعة الحال، سوف يشترون السندات الأمريكية ولكن من المرجح أن يطالبوا بمعدل فائدة أعلى يعكس العجز المتزايد الذي تتكبده الولايات المتحدة.
وهذا بدوره قد يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الفائدة بين عشية وضحاها، وهو ما من شأنه أن يثير الذعر في السوق ويتسبب في انهيار كبير لسوق الأسهم.
3 .تأثير مزدوج
إن المخاطر التي تهدد سوق الأوراق المالية في الأمد القريب محدودة إلى حد ما، فمن ناحية، إذا ظل المستهلك أقوى من المتوقع وارتفع التضخم مرة أخرى، فمن المرجح أن تشهد سوق الأوراق المالية بعض الاضطرابات التي قد تكون مدفوعة بتغيير السوق لتوقعاتها بأن البنك الاحتياطي الفيدرالي لن يكون قادرا على خفض أسعار الفائدة أكثر من ذلك.
ومن ناحية أخرى، من المرجح أن تتعثر الأسهم إذا تدهورت بيانات التوظيف والإنفاق الاستهلاكي أكثر من المتوقع، وسيكون ذلك بسبب زيادة احتمالات الركود الشديد وأن البنك الاحتياطي الفيدرالي انتظر طويلا لخفض أسعار الفائدة.
4 .رسوم ترامب الصارمة
سيتولى الرئيس المنتخب "دونالد ترامب" منصبه رسميا في 20 يناير، وعندما يفعل ذلك، يتوقع خبراء الاقتصاد أن تكون الرسوم الجمركية حجر الزاوية في سياسته.
وهذا ليس جديدًا بالنسبة للرئيس القادم الذي سن سياسة تعريفات صارمة في ولايته الرئاسية الأولى، وشمل ذلك التعريفات الجمركية الأمريكية على السلع مثل واردات الصلب والألمنيوم، وفي ولايته الثانية، قال ترامب إنه سيدفع بتعريفات جمركية بنسبة 25% ضد كندا والمكسيك، إلى جانب تعريفات جمركية إضافية بنسبة 10% على الواردات الصينية.
إن سياسات الرئيس ترامب المحتملة التي تشمل التعريفات الجمركية الأعلى وتخفيضات الضرائب وقيود الهجرة، تضيف المزيد من عدم اليقين مع عواقب على التضخم والتجارة والاستدامة المالية.
5 .تحول سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي
كان البنك الاحتياطي الفيدرالي في حالة خفض أسعار الفائدة مؤخرًا، حيث خفض سعر الفائدة القياسي على الأموال الفيدرالية بمقدار نصف نقطة مئوية في سبتمبر وبواقع 25 نقطة أساس في نوفمبر، واجتمعت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية مرة أخرى يومي 17 و 18 ديسمبر وخفضت سعر الفائدة بنحو 25 نقطة أساس، قد يكون هذا هو آخر خفض لأسعار الفائدة لفترة من الوقت حيث سيتخذ البنك الاحتياطي الفيدرالي موقف الانتظار والترقب بشأن الاقتصاد والسياسات الاقتصادية الجديدة لإدارة ترامب في عام 2025، ويتفق خبراء السوق على أن البنك الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يأخذ في الاعتبار أيضًا بعض الأحداث الجيوسياسية البارزة.
وعلى الرغم من أن مخاطر الركود في الولايات المتحدة قد تم تخفيفها إلى حد كبير، يجب على المستثمرين أن يظلوا يقظين بشأن المخاطر السلبية مثل حرب تجارية عالمية مدمرة وارتفاع مفاجئ في عائدات السندات وتحول صادم من جانب الاحتياطي الفيدرالي نحو رفع أسعار الفائدة، قد تؤدي عوامل الخطر هذه إلى سحب البساط من تحت أقدام صاعدي الأسهم، إما عن طريق توجيه ضربة إلى معنويات المخاطرة التي تغذي مكاسب سوق الأسهم أو تقويض التقييمات وتوقعات الأرباح للأسهم.
6 .قلق المستهلك بشأن الإسكان
في حين يبدو أن المستهلكين يستعدون لموسم التسوق مع نهاية عام 2024، فإن المشاعر خافتة فيما يتعلق بالمشتريات الأكبر وخاصة الإسكان.
وفقًا لتوقعات سوق الإسكان الأمريكية الجديدة من شركة بيانات وخدمات العقارات Clever، يقول 45% من المشترين و 47% من البائعين أن أسعار المساكن في منطقتهم سترتفع في عام 2025، ويشعر 68% آخرون من المشترين بالقلق من أن ارتفاع أسعار المساكن سيجبرهم على تأخير شراء منزل جديد، وفي الوقت نفسه، يرى 42% أن أسعار الرهن العقاري صعبة في الوقت الحالي، ويشعر 41% بقلق بالغ بشأن الحصول على الضوء الأخضر لرهن عقاري جديد العام المقبل.
7 .صورة عامة غامضة للسوق
تقول "لوري فان دوسن" مؤسسة ورئيسة تنفيذية لشركة LVW Advisors: "النمو الاقتصادي أفضل من المتوقع، ومع ذلك، تشكل الحكومة ما يقرب من 30% من هذا النمو، وإذا استبعدنا هذا النمو فإننا نرى ضعفاً أكبر مما يعتقد الكثيرون"، وتلاحظ فان دوسن أيضاً أن نمو الأرباح كان غير متوازن للغاية مؤخراً، وهناك ضعف في الإنفاق التقديري للمستهلكين.
وتقول: "هناك ضغوط مستمرة على الهامش لأن الشركات تتنقل بين التكاليف المرتفعة وخاصة فيما يتعلق بالعمالة والرعاية الصحية، بالإضافة إلى التحديات المستمرة في سلسلة التوريد والتي أدت إلى تغييرات في سلوك المستهلك".
عند تقييم مخاطر الاستثمار في الأسهم، من المهم دراسة العوامل الثلاثة المتمثلة في التقييمات ونمو الأرباح والسيولة في سياق الظروف الاقتصادية ومعنويات المستهلكين والأحداث العالمية، وبالتالي فإن ارتفاع التكاليف وتراجع المستهلكين يضغطان على هوامش الشركات، وتتسبب الظروف الجيوسياسية في التقلبات، وفي الوقت نفسه، لا تزال تحديات سلسلة التوريد تشكل مشكلة وتقوم البنوك المركزية بتقييم أسعار الفائدة باستمرار.