حفلة النقاشات التي ازدحمت بها وسائل التواصل الاجتماعي، وفضاءاتنا العامة، خلال الأيام المنصرفة، أفرزت منا أسوأ ما لدينا، لا أستطيع أن أتصور أن بلداً يواجه أخطاراً وتحديات كبرى، ويعيش وسط منطقة مُهدّمة سياسيا، ثم يجد بعضُنا الوقت لخوض مثل هذه المكاسرات والمناوشات، أو الانشغال بتصفية الحسابات وتفجير القنابل الدخانية، حتى لو كان ذلك تحت مسميات مكافحة الفساد والترهل الإداري والمالي، وغيرها من العناوين البراقة التي لا نتيجة لاستدعائها، في هذا التوقيت، سوى استفزاز الأردنيين ونزع المناعة منهم، وزراعة المزيد من فسائل الفشل واليأس، وتوسيع فجوة انعدام الثقة.
لا أريد أن أدخل بالتفاصيل، نظرة واحدة لمداولات بعض السادة في مجلس النواب حول الموازنة (مما لا علاقة له بالموازنة أصلا )، أو إلى «لاينات» وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يدور في بيوت العزاء والأفراح، حيث يجتمع الأردنيون وينفسون عن مظلومياتهم، نظرة واحدة تكفي لمعرفة ما جرى وفهم ارتداداته، معقول نكرر يوميا «لازمة» (الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية ومعنويات الأردنيين ضرورة وطنية )، ثم نتفاجأ بمن يغرد خارج السرب، ويحفر في أساسات هذه الجبهة الداخلية، ويفتح أبواب خزانات مظلوميات الرواتب والتعيينات، والشللية والمحسوبيات، هذه التي كان من الواجب أن تعالج بسرعة، وبدون ضجيج، داخل غرفة المسؤولين، لا أن تتحول إلى «مُسيَّرات « تطير في سمائنا، وتسقط علينا ما هبّ ودبّ من الوقائع والذكريات غير السعيدة؟
صحيح، المشكلة ليست، فقط، فيما يصدر من كلام وما يدور من نقاشات، وإن كان توقيتها ملغوما، ولا في الأردنيين الذين وجدوا أنفسهم أمام فكي كماشة؛ الصمت خوفا على البلد، أو دبّ الصوت لإصلاح الخطأ.
المشكلة قبل ذلك بالأفعال والمقررات التي أوصلتنا إلى هذه النتائج، لكن لابد أن ندرك أن ثمة من يريد أن يستغل أجواءنا الملبدة بالغيوم والأتربة والصقيع لزعزعة ثقتنا بالدولة ومؤسساتها، أو لخلق معادلة صدام وانقسامات بين الأردنيين، أو حالة من الكفر بالواقع والمستقبل، والنقمة على كل ما في البلد، هذه المحاولات ليست بريئة أبدا، ولا تنتج إصلاحا ولا عافية وطنية، ولا تُنفّس عن الناس، بل العكس تماما ؛ أنها أسوأ وأخبث وصفة قد تخطر على البال.
لدى الأردنيين إحساس متراكم وعميق، تحول -للأسف- إلى قناعة، بأن ثمة «قطبة مخفية « وراء بعض ما يحدث ببلدنا، لا يهم حركة الممثلين على المسرح السياسي، المهم غياب منطق الحكمة والعقلانية، سواء لدى بعض المسؤولين أو قوى المجتمع ونخبه، لا يمكن أن نفهم إصرار البعض على إغراق مجتمعنا بالفشل، وإفقاد الأردنيين ثقتهم بأنفسهم ومؤسساتهم، وتعريضهم لِنَهَم التجار الذين لا يخافون الله، وإشغالهم بحروب الهويات على «حبة بندورة «، مجرد صدفة، أبدا..هذا فعل فاعل وأكثر، وهؤلاء الفاعلون، للأسف، موجودون بيننا، وربما داخل مؤسساتنا وأحزابنا ومشاربنا وإعلامنا، يتسللون إلى الرأي العام من خلال منصات متعددة، وممارسات فاسدة، ومواقف مدهونة بزيت وطني مغشوش، إنهم لا يتعاملون مع الأردن إلا من ثقب مصالحهم وأجنداتهم وحساباتهم الضيقة، هؤلاء يكفي أن نقول لهم : عيب.