لن نناقش كيفية ظهور فكرة الطلب واسبابه ومعطياته وحيثياته ، وما اريد قوله في هذا الجانب ، هل بقي لنا ما نقوله او ما نشرعه في قانون جديد للعفو العام ؟ وهل هنالك حاجة فعلية مستجدة وطارئة للذهاب نحو هذا الخيار ؟ وهل سجوننا ممتلئة لهذا الحد والقدر الدافع نحو قانون جديد؟ وما هي الضرورات التي تدفع باتجاه إقراره .
كلها اسئلة وتحتاج للإجابات المنطقية المقنعة ، ولا نريد صبغها في مسارات قياس القدرة والتجاوب بين مجلس النواب والحكومة ، ولا وضعها في مكان يجعل منها بيئة خصبة لخلق حالة من التوتر والتوهان بينهما ، فالوقت وقت العمل وبوتيرة سريعة ولا مكان للخلاف في بداية عهد المجلسين (الوزراء والنواب) .
نعلم أن العفو العام يحمل آثارا إيجابية على المجتمع والقضاء والسجون ويخفف من الاكتظاظ فيها ، ونعلم جيدا المنتقدين والمعارضين للعفو العام ؛ لأن الإحساس بوجود العقاب أهم من المبررات التي تصاغ لوجوده ، وتحتم ضرورة وضغط على تشريعه .
وندرك أن التحالفات بين المجلسين ضرورة في قادم الأيام ، وهذا مهم من ناحية التأسيس لأرضية خصبة لإستكمال المشاريع الأكبر والأعمق ، ونحتاج لإستمرارية في نهج العطاء ، وبالمقابل نفهم أن يتم التوافق بوجود قانون العفو العام ؛ لأن ذلك يكمل دورا محوريا مع الرأي العام الأردني ، الذي لن يقبل أن نخلق أجواءا تؤثر على السلم والأمن المجتمعي .
ولو أردنا تفكيك ديناميكية هذه العلاقة والترابط ، نجد أننا بحاجة إلى نهج دقيق في خلق علاقة متوازنة قائمة على مجموعه من العوامل ، لأن ما يساق في حاجتنا لعفو عام ؛ هو أن القانون الصادر في عام ٢٠٢٤ لم يحقق أهدافا معينة مثل عدم شمول القضايا التي تمت فيها مصالحة ضمن بنود الشمول ، أو القانون المطالب به سيكون مكملا لسابقه ، وبالنتيجة نعتبر من الفوائد ونأخذ بعين الإعتبار العيوب المحتملة عند صياغة هذه القوانين بعدالة وشمولية وأكثر فعالية .
ولو عدنا إلى مسألة توقيع مذكرة نيابية خاصة بضرورة سن تشريع خاص بالعفو العام ، يجعلنا نستدرك أمرا في غاية الأهمية ، وهو أنه من المبكر الحديث عن قانون عفو عام ، فمعشر الدستوريون يذهبون إلى أن الفلسفة الدستورية لا تستقيم مع تكرار اللجوء للعفو العام ، بالإضافة إلى إخلاله بمبدأ سيادة القانون ، فالقوانين وجدت للتطبيق على مخالفيها من خلال أحكامها ، ولو سمح في أوقات معينة تجاوز الأصل بصدور هذه القوانين ولكن في حدودها الدنيا .
وهنا نقول : أن فكرة العفو العام ؛ فكرة يقصد منها تطبيقها في أضيق الحدود وعدم الإتفاق على التوسع فيها ، فمهم جدا أن نحافظ على الضوابط الدستورية في دستورنا ، التي تطلبها المشرع الدستوري ، ووضعها في عين الإعتبار عند التفكير وبحث الأسباب الموجبة لسن هذا التشريع .
كما أن العبرة إن كانت في التسهيل على القضاء الأردني النزيه ، من إجراءات التقاضي والتخفيف عنه فهي غير منتجة ؛ بسبب أن القضاء معتاد من عشرات السنوات على وجود هذا الكم الهائل من القضايا بأشكالها المختلفة .
والتخفيف عن سجوننا أيضا غير منتج لانها مليئة بالقضايا الحقوقية التي لا يشملها العفو ، ولا نغفل الكلفة المالية المترتبة في بعض الاوقات .
وبالتالي علينا أن نركز نحو تعزيز لروح التعاون والتواصل في هذا التوقيت ، وأن نعمل باتجاه الحماية والرخاء ، وان نشد بعضنا بعضا للقادم من الأيام .
ختاما ، كلنا نرغب في وجود مجتمع اردني متسامح قائم على التراحم والمودة بين أفراده ، ولكن ما نرغب قوله أن الدوافع نحو قانون للعفو العام ، يحكمه الضرورات والحاجة والواقع الحالي لا يدفع نحو السير في تشريعه