ملف إعلام الدولة يغيب في عهد بعض الحكومات ويظهر عند القليل منها، ومنها الحكومة الحالية، لكن النوايا الحسنة التي ظهرت في تعامل بعض الحكومات لم تكن كافية لأن العبرة في الرؤية والغاية اللتين يريد أصحاب القرار ان يصل اليهما الاعلام.
في مراحل حكومات عديدة كان المهم ان يخلو الاعلام الرسمي وشبه الرسمي من اي نقد حتى للخدمات الحكومية، وكانت بعض الحكومات تكثر من الشكوى والتذمر على اعلام الدولة لو قدم اي منتج يحمل وجهة نظر تحمل نقدا لرئيس وزراء او حتى مديرية في وزارة، وكانت المحصلة ان المطلوب من الاعلام في تلك المراحل ان يقنع الاردنيين ان كل شيء في أحسن حال دون ان يكون هذا الاعلام نفسه في أحسن حال، ولهذا لم يقتنع الاردنيون ان تلك الحكومات عظيمة وخسرنا جزءا من مصداقية إعلامنا الرسمي.
ربما من الطبيعي ونحن نطبق مسارات التحديث السياسي والإداري والاقتصادي ان نحلم ببناء حالة اعلام وطني اردني بعقل سياسي ومهنية عالية ومصداقية ندخل بها عقول وقلوب الاردنيين، حالة اعلامية هي تلك التي تبحث عنها الدولة مع كل ازمة تمر بها الدولة او حملات افتراء واتهامات باطلة من الخارج او الداخل، إعلام تتمناه الدولة وهي تشعر في كثير من الأحيان انها قدمت الكثير وانها أنجزت لكن كل هذا لم يصل للاردنيين ولا الخارج.
نحتاج خطوات كبرى في مجال الاعلام تتجاوز فكرة تغيير فلان بعلان او تغييرات إدارية فقط او المجيء بأشخاص اكثر ولاء لأشخاص المسؤولين التنفيذيين، نحتاج إلى ذلك النموذج الذي تبحث عنه الدولة ولا تجده لكنها تحب ان يكون.
لن نبدأ من الصفر فلدينا مؤسسات لها تاريخ وتجربة، ولدينا اعلاميون اصحاب القدرة، وايضا لدينا افكار كثيرة نقرأها ونسمعها في مواسم كثيرة لكن من يعلق الجرس ويذهب نحو بناء جسم سياسي يدير اعلام الدولة بسقف مهني وفني محترف وانضباط بمصالح الدولة وثوابتها وسياسات تحرير وتقنيات تجعل إعلامنا الوطني الرسمي وشبه الرسمي خيارا مهما للاردنيين وحتى في الخارج.
لدينا اليوم تجارب مهمة يمكن البناء عليها، لكننا نحتاج حالة اعلامية دائمة التأثير وليست موسمية الحيوية والغضب الوطني، حالة لن تكون اختراعا في بنائها الاداري لكن قوتها في عقلها السياسي وسقفها المهني والفني وامتلاك ادوات العصر الاعلامية وانضباط وطني اردني.
التفاصيل كثيرة لكننا بحاجة الى ان نمتلك عنواناً إعلامياً اردنياً ليس في توضيح مواقفنا بل في بناء الوعي العام وشرح القضايا التي حولنا، فنحن من يجب ان يقول للاردنيين ما الذي يجري في المحيط، ومن يرسم معالم مصالحنا، ومن يقول للناس ويفسر مواقف الدولة وكل ما يعنينا.
القصة ليست في الهياكل الإدارية لكنها في البناء السياسي وسياسات التحرير وإطلاق العنان للسقف المهني والانضباط الوطني، وكما كانت الارادة وراء نجاح مساراتنا التحديثية فاننا ما نتمناه من تحديث اعلامي يحتاج الى ذات الارادة والدعم والحماية..