من محاسن القدر أن حظيت بتجربة أكاديمية كعضو هيئة تدريس في عدة كليات للصحافة والإعلام.. وإحدى المواد التي درستها لسنوات مادة "مبادئ علم الاتصال" وهي متطلب اختياري لكافة طلبة الجامعة.
خلال هذه المسيرة درست عدداً كبيراً من الطلبة السوريين .. فكانت تجربة مليئة بتفاصيل، وتحديات جميلة، ولحظات غالية عزيزة "ومحزنة أحيانا"، بسبب الوضع الأمني والسياسي والمعيشي أنذاك.
شعرت دائما بالفرح والسعادة عندما كنت أرى الارادة والإصرار والعزيمة عند السوريين، كانت ماثلة في سلوكياتهم وملامحهم ولمعة عيونهم.. لقد كان لهم إنجازات علمية وأكاديمية كبيرة، وكانت لهم مواقف إنسانية وأخلاقية عظيمة.
فكان لكل طالب/ة منهم قصة نجاح وتميز خاصة به/ا وأسعد جدا بأنني كنت جزءًا من رحلتهم ومسيرتهم العلمية .. كنت أرى في كل واحد/ة منهم شعلة من الأمل، والطموح، ولمست في وجدانهم الرغبة في التعلم والتطور والتغلب على كل التحديات الظروف .. أقول الظروف لأن عدد كبير من الطلبة كان يأتي من "مخيم الزعتيري" وما يترتب عليه من إجراءات وقيود وضيق في العيش والحيلة.
جميعم كان أنيقا في مظهره وتعامله وإبتسامته .. فكان لكل منهم بصمة خاصة لطيفة، تركت أثرًا في قلبي وذاكرتي. رأيت فيهم الإبداع يتجلى بأشكاله وصوره المختلفة، رأيت الطموح المتأصل فيهم، الذي لا يعرف المستحيل.. رأيت انتماءهم للجامعة وللأردن، وهذا يعكس اخلاقهم الراقية، وقيمهم النبيلة.
كنت شاهدًا على تطورهم المستمر، ابتداء من خطواتهم الأولى في قاعات الدراسة، والحرم الجامعي، إلى نجاحاتهم التي أضاءت حياتهم مستقبلهم، وماحولهم.
كنت أتسائل كيف لهؤلاء الطلبة أن يبتسموا ويبدعوا وأن يتحدوا القهر والوجع، كيف لهم يكونوا نخبة النخبة، وصفوة الصفوة، في وقت وزمن تتحطم فيه ألامال والأحلام، إلا أنهم شباب وصبايا، كانوا عصيين على الإنهزام والإنحناء .. كانوا صامدين متفائلين مبدعين .. كانت تجربة مفادها شعب كهذا لن ينكسر مهما قست عليه الحياة.
من الصفات العظيمة التي يتحلى بها السوريون "الوفاء" بعد أن تركت العمل الأكاديمي، فلا يوجد مصلحة مباشرة لأحد من الطلبة، فكان معظمهم على اتصال مستمر معي، فيأسرني لطفم ووفاؤهم ودماثتهم .. كثير منهم قد هاجر إلى أوروبا، وكنت أحزن، كيف لهذا الياسمين أن يرحل من موطنه "السوري والعربي" .. كيف للهجرة أن تكون ملاذ وموطنا .. وعدد لا بأس به رجع إلى سوريا خلال السنوات الماضية، وعندما كنت اسافر إلى الشام كان معظمهم يتصل بي ويدعوني إلى بيته بكرم عربي أصيل، بنكهة سورية لايشبهها أحد او مكان.
مؤخرا مع الوضع السياسي الجديد، وعودة الكثير من أهلنا إلى مسقط رأسهم "سوريا"، أقرأ على صفحات التواصل الاجتماعي، بسعادة وحب، تعليقاتهم ومحبتهم للأردن وتعلقهم فيه كبلدهم الثاني، مستذكرين أيام وسنين وتفاصيل عاشوها بين أهلهم وناسهم .. وما يسعدني أكثر ردة الفعل الأردنية، إذ أن رود الأفعال جميعها تقول لا تذهبوا من هنا "الأردن" وتتركونا .. هذا بلدكم، ونحن أهلكم وربعكم.
الشعب السوري شعب عظيم، تاريخه حافل بالعراقة، والثقافة، والإبداع .. رغم الصعوبات والتحديات التي مر بها، يظل مثالاً للصمود والعزيمة. نتمنى لهم دوام العزة والكرامة، وأن يستمر السلام والاستقرار على كامل أرضهم بإذن الله تعالى.
نسأل الله أن تعود سوريا كما كانت وأجمل، بلدًا مزدهرًا يعكس جمال وروعة أهلها