أطلّ ولي العهد الأمير الحسين صبيحة يوم العيد على السيدة فضية الإحيوات في وادي عربة في قرية رحمه، بإطلالة موفقة، وسلامٍ مهمٍ في يومٍ تنتظر فيه الأمهات زيارات الأبناء، ليكون فيه جبر خاطر لمن يستحق جَبر خاطره.
بدا الفقر ظاهراً مكيناً، وبكل ألوان الطيف المكملة لصورة العوز، من بيت بسيط وفراش، وجدران لم تنل بعد شرف أن يكسوها الأسمنت لونه، لكنه فقر ممتلئ بالعفة والنبل والبساطة.
تحدثت الحاجة فضية مثل كل الاردنيين الطيبين، بتلقائية بسيطة، وسألت ولي العهد عن والده الملك، ورد ولي العهد ببساطة أيضاً، ودون تكلف أو إشعار بأنه رد من أمير، بل وكانه ابن يجيب جدته.
قاربت السيدة بين حالها المعتمد على معونة وطنية بسيطة، وبين حال من يحتجون في الشارع. ولم تنشد تعكير جو الزيارة بغضب الغاضبين، لكنها قررت أن تنحاز للضيف، بكبرياء عجيب وكان الضيف يعاين ويمسك ملف الاسرة وما تحتاجه.
ما أن لاح موكب الأمير، خرجت السيدة السبعينية مع نجلها لتستقبل الأمير الذي قرر في صباح يوم العيد أن ينحاز للفقر والفقراء، ولا بد أن حياة تلك السيدة البسيطة رافقت مخيلته طيلة الطريق الممتد من رحمه للعقبة حيث كان الملك الأب صباح العيد يصلي ومعه أبناء الشهداء، ولعل هذه الزيارة تشكل جزءا من قصة الشعب والوطن التي يراها الأمير دون تجميل، وللأمير أن يسأل النفس ويقارن بين مطالب النخب ومطالب الفقراء؟.
يصل ولي العهد عمق الفقر حيث الجنوب مغلف به كثيراً كما الأغوار والبادية الوسطى، ويسأل ويتابع ويأمر بحل المشاكل. وفي حديث المجالس كلام آخر عن الديمقراطية والفساد. لكنه فساد في القرارات وغياب التنمية التي نسيت من هم مثل الحاجة فضية؟.
لم تتجمل الحاجة فضية في قرية رحمه، بل تلقت الزيارة بكل هدوء وحالها المعتاد، ورباطة جأش، فكان المجلس بسيطاً والدار رغم أنها ابسط. إلا أنها كنت رحبة، ودار الأم فضية معمدة بالطهر والقناعة، هي من طوب غير مقصور، والمكيف الصحراوي يقيم معركة في الرأس، والبساط من حصير ومفرش تحت الجنبية التي جلس عليها الأمير، لكنه يماثل أفضل أنواع السجاد، وغالباً ما يغلف الفقراء فقرهم بأجمل ما لديهم، والحاجة فضية قدمت كأس الشاي المنزلي الأحمر بكل ثقة، فهذا ما تقدمه لأي زائر.
هي لم تقم بذلك نفاقاً أو تكلفاً، بل حافظت على عنوان حياتها اليومي، وهو البساطة الممزوجة بالفقر الذي لم يفقدها توازنها وهيبة الحضور، في الاستقبال أظهرت الحاجة فضية حذاقة المرأة الحرة حين قدمها الأمير للسير ودخول البيت، فلم تستدر وتعطي الأمير ظهرها، بل استدارت بشكل جانبي وتقدمت بكل ثقة.
وفي سؤالها عن الملك الأب، وأحوله رفعت يدها لتأكيد السؤال، وفي المحيط بيت يفتقر لزجاج النوافذ المغطاة بقطعة حرام بالٍ، وحوش البيت محاط بالواح من الزينكو المستعمل. لكن ثمة روح عالية وكرامة وشكر وقناعة.
شكرا للحسين الأمير أن جبر خاطر تلك السيدة النبيلة، شكراً له أن ادخل الفرح على قلب من يحتاج إليه، وشكرا لكل ما يسعى في الخير والأمل أن تحصل تلك الارملة على رحلة حج في العام القادم.
الدستور