أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الزيود تكتب: دبلوماسية الاستحقاقات: سوريا ومفاتيح المستقبل السياسي


دعاء الزيود

الزيود تكتب: دبلوماسية الاستحقاقات: سوريا ومفاتيح المستقبل السياسي

مدار الساعة ـ
في عالم السياسة، القليل من الأحداث يقع صدفةً. إذ تتحرك الدول بناءً على معادلات معقدة وضرورات تحكمها المصالح، التحالفات، والفرص. ولعل المشهد السوري اليوم يمثل نموذجًا فريدًا لتحول سياسي جديد يتجاوز التصورات التقليدية. زيارة الوفد الأوكراني إلى دمشق، والتوجه الأمريكي نحو تخفيف العقوبات، ودعوة الرياض لوزير الخارجية السوري هي إشارات تتطلب قراءة متأنية لا تقتصر على الوقائع، بل تغوص في أبعادها الدبلوماسية العميقة ومعانيها الاستراتيجية.
الزيارة الأوكرانية، التي قد تبدو للبعض تحركًا غير محسوب، تحمل بين طياتها إشارة إلى لعبة جديدة في الساحة الدولية. فما بين الحرب التي تطحن أوكرانيا ومحاولات تقليص النفوذ الروسي، يبدو أن كييف قررت اختبار المياه السورية بحثًا عن تحولات تكتيكية يمكن أن تُسهم في تعديل ميزان القوة. ومع ذلك، فإن دمشق، التي لم تُعرف بميلها للتخلي عن حلفائها، تبدو وكأنها تتعامل مع هذا الانفتاح بمنطق "الاستماع المشروط".
في المقابل، يشكل الحديث عن تخفيف العقوبات الأمريكية تحولًا يثير العديد من التساؤلات. هل يعني هذا تراجعًا في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، أم أنه خطوة محسوبة لإعادة التموضع الإقليمي؟ الإجابة تكمن في التفاصيل. فالولايات المتحدة تدرك أن تخفيف العقوبات دون مقابل سيُقرأ كضعف، في حين أن دمشق تدرك أن أي تنازل في هذه المرحلة قد يُضعف من قدرتها على المناورة. هنا يظهر الذكاء السياسي في القدرة على التفاوض دون كشف كل الأوراق.
دعوة وزير الخارجية السعودي لنظيره السوري لزيارة الرياض تمثل نقطة تحول بارزة في مسار العلاقات السورية-العربية. فمنذ اندلاع الأزمة السورية، ظلت العلاقات بين دمشق والدول العربية الكبرى تراوح بين القطيعة والبرود. اليوم، يبدو أن المملكة تتبنى نهجًا مختلفًا يقوم على الانفتاح المشروط، مستفيدةً من خبراتها الدبلوماسية لإعادة ترتيب البيت العربي.
لا يمكن عزل هذه التحركات عن التحولات الإقليمية الكبرى. فالمنطقة بأسرها تعيش حالة من "إعادة التعريف"، حيث أصبحت المصالح المشتركة أكثر إلحاحًا من الخلافات السابقة. من المصالحة الخليجية إلى الاتفاق السعودي-الإيراني، يبدو أن هناك رغبة جماعية في تقليل التوترات. لكن سوريا، التي تحمل تاريخًا طويلاً من المناورات السياسية، قد تكون بحاجة إلى إثبات قدرتها على استثمار هذه التحولات لصالحها.
النجاح في هذه المرحلة لا يتطلب فقط قراءة دقيقة للمشهد الدولي، بل أيضًا استراتيجيات مبتكرة تتجاوز الخطاب التقليدي. فعلى دمشق أن تعيد صياغة علاقاتها بطريقة تُظهر استقلالها مع الحفاظ على تحالفاتها الأساسية.
إذا كانت السياسة هي فن الممكن، فإن دمشق اليوم أمام فرصة لإعادة تعريف الممكن في سياق غير مسبوق. التحولات الراهنة ليست مجرد مؤشرات دبلوماسية عابرة، بل هي لحظة اختبار لمستقبل سوريا السياسي. ومن خلال استثمار هذه الفرصة، يمكن لسوريا أن تتحول من ساحة صراع إلى نقطة توازن في المنطقة، وهو هدف لا يتحقق إلا بالعمل الذكي والقرارات المدروسة.
مدار الساعة ـ