تعيين أحد المهندسين مديراً براتب 4 آلاف دينار بوزارة الاستثمار اثار جلبة على مواقع التواصل الاجتماعي والسوشال ميديا وبعض المواقع الاعلامية، الا انه وفي الوقت ذاته كشف وجود «حالة انفصام» عند البعض؛ ممن انتقدوا وهاجموا تعيينه، فما القصة وأين الانفصام بالموضوع؟
أنا شخصياً لم يسبق لي أن عرفت هذا المهندس الذي قامت حوله الدنيا ولم تقعد إلا أنني كما أي متطفل اخذ يتسلل لمعرفة هذا الشخص ومن أقربائه وكيف استطاع الحصول على هذا الراتب، فنتج عن عملية البحث، أن لا وزير أو مسؤول كبير أو رجل اعمال متنفذ بظهره، كما انه لم يدرس بـ"اكبر الجامعات» بالعالم وتلقى تعليمه بجامعة محلية وهي «مؤتة» والاهم انه من عائلة بدوية بسيطة.
عملية البحث لقصة هذا المهندس نتجت عنها معلومة مهمة تكمن بانه «حراث ابن حراث» فعاش بـ «القطرانة» الى ان تخرج من الجامعة التي كان يصلها قاطعا مسافة 100كيلو ذهابا وايابا، فشق طريقه لـ"سوق العمل» كما اي شاب اردني، طموح واجتهد وثابر وفرض نفسه، وهنا انتهى البحث عن هذا المهندس بنتيجة مفادها عدم وجود شبهات كلاسيكية كما يعتقد البعض بتعيينه بهذا المبلغ.
المفاجأة التي لربما لا يعرفها البعض أن هذا المهندس كان يعمل ولاكثر من عامين مفوضا للاستثمار بالبترا واستقال منها عند اقناعه بالمنصب الجديد ومدى الجدوى من وجوده في هذه الوظيفة الان، والمفاجأة الاخرى ان الراتب عندما كان مفوضا كان متقاربا من هذا المبلغ، كما ان رتبته السابقة كمفوض اهم بكثير من مدير وحدة بوزارة وخاصة انه كان ايضا نائبا للرئيس المفوضية.
الغريب وما يدعوك الى الاستغراب بشدة ان ما هاجموا تعيين المهندس في الامس أنفسهم من يهاجمون الدولة عندما تهاجر الكفاءات وعندما يسمعون بشاب اردني يعمل في ناسا او جوجل او ميتا او مهندس اردني صمم اهم المعالم العقارية في العالم او طبيب كما الحمادشة، وغيره من الاطباء والمهندسين والمبرمجين والمدراء الاردنيين المنتشرين في كل دول العالم، اوليس هذا انفصاماً وانفصالاً عن الواقع؟
في الحقيقة كم اتمنى ان اواجه هذا المهندس بـ«سؤال مباشر»: هل كنت بكامل وعيك عندما قبلت ترك منصب مفوض استثمار ونائب رئيس مفوضية في احدى عجائب الدنيا السبع مقابل حصولك على وظيفة مدير وحدة في وزارة؟
خلاصة القول، ان احد ابرز اسباب تطور الدول المتقدمة في العالم يكمن في استقطابها للكفاءات وتوطينها لديهم ودعم الكفاءات لديها، لهذا علينا فعلا اذا اردنا التطور كما تلك الدول وان نحسّن جودة الحياة؛ أن نهتم بالكفاءات واعطائها ما تستحق لبناء دولة قوية بكل المجالات وان نبتعد عن جلدهم لكي لا يهاجروا دون رجوع فيكسبهم الغير ونخسرهم نحن.
