في الوقت الذي يزداد الفقر والتهميش بين شرائح واسعة من المجتمع الأردني، تطل علينا وثائق وقرارات تكشف عن فوارق اجتماعية واقتصادية صارخة، وكأنها تقول بوضوح: "هناك فئة تُرفع فوق الجميع، وأخرى لا يحق لها إلا أن تتجرع المعاناة".
آخر هذه الأمثلة وثيقة تُخصص راتباً شهرياً ضخماً لمسؤول حكومي حديث التعيين يكفي تعيين أكثر من عشرة معلمين، في وقت يعجز فيه المواطن البسيط عن تغطية احتياجاته الأساسية.
المفارقة المؤلمة تكمن في أنّ مثل هذه الرواتب والمزايا لا تُمنح للجميع. هناك من يغرقون بالامتيازات، بينما الغالبية تُترك لمواجهة مصيرها مع الجوع والفقر لتدني رواتبهم، أو البطالة.
الأدهى؛ أن الوزير الذي اتخذ قرار التعيين وبهذا الراتب الضخم، لم يكن قد حصلت الحكومة التي هو عضو فيها ثقة النواب بعد عندما اتخذ هذا القرار.. فلو تخيلنا مثلاً، مجرد تخيل، أن الحكومة لم تحصل على الثقة، هل قراره يصبح قانونيا في هذه الحال؟!
أصبح المواطن العادي يشعر وكأنه يعيش في مجتمع يفرّق بين "أبناء الناس" و"الباقين"، وكأن البقية محكوم عليها أن تبقى على هامش الحياة.
إن رفع الحد الأدنى للأجور الذي يُروج له كإنجاز حكومي ليس سوى مسكن مؤقت لا يلامس جوهر المشكلة. عندما يُعيّن مسؤول براتب أربعة آلاف دينار شهرياً، هل يُقصد بذلك تكريسه لخدمة المواطن؟ أم أنه جزء من سياسة المكافآت التي لا يستفيد منها سوى فئة ضيقة؟ وفي المقابل، هناك عائلات تعيش على دخل لا يجاوز ثلاثمئة دينار، وربما أقل، وهو بالكاد يكفي لسد رمقهم.
المواطن الأردني اليوم لا يطلب المستحيل، بل يبحث عن عدالة تُعيد التوازن إلى حياته. لماذا تُصرف هذه الرواتب الضخمة لبعض الأشخاص من دون حسيب أو رقيب؟ لماذا يشعر المواطن وكأن حقوقه تُجيَّر لصالح "المحظوظين" الذين يُقرر لهم أن يعيشوا في رفاهية، بينما يُترك البقية للمعاناة؟
هذا التفاوت لا يعبر فقط عن ظلم اقتصادي، بل يفتح الباب لمزيد من الانقسامات الاجتماعية. الوطن ليس لفئة دون أخرى، ولن يتحقق الاستقرار إلا إذا شعر الجميع بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات.
المسؤول الحقيقي هو من يعيش هموم المواطن، لا من يعيش في برج عاجي يتغذى على آلام الفقراء.
أما اليوم، فإن المواطن ينظر إلى هذه الوثائق بنظرة ملؤها الغضب والأسى. هل أصبحت الزيادات للأقوياء فقط، والبقية "الله لا يقيمهم"؟ أين تلك الشعارات التي تُردَّد عن العدالة والمساواة؟ وأين المحاسبة الحقيقية لمن يقررون هذه الرواتب الفلكية؟
آن الأوان لوضع حد لهذه الفجوة بين من يملكون كل شيء ومن لا يملكون شيئا. لا عدالة بدون مساءلة، ولا كرامة في مكان يُترك فقراؤه يواجهون الجوع، بينما تُصرف آلاف الدنانير على مناصب برواتب وامتيازاتفاحشة.