مدار الساعة - صرح البروفيسور محمد الفرجات أستاذ جيولوجيا المياه والبيئة والاستكشاف الجيوفيزيائي في جامعة الحسين بن طلال، بأن التحدي المائي الأردني من الصعوبة بمكان، بحيث انه لا يوجد له حل واحد، وعليه فلا بد من العمل على مجموعة من الإجراءات والبرامج العديدة التي من شائها مجتمعة أن تخفف من وطأة وتبعات هذا التحدي.
وبين الفرجات بأنه وفي ظل محدودية البدائل المائية للتزويد المائي للمملكة والطلب المتزايد بسبب أزمات اللجوء وزيادة النمو السكاني والنشاطات الاقتصادية وغيرها، فقد أصبحت بدائل التزويد المائي الوطنية محصورة ومحددة مثل تحلية مياه العقبة وسحبها الى عمان (مشروع الناقل الوطني)، وهو من أهم المشاريع الاستراتيجية والذي يحتاج سنوات للتنفيذ.
ويقول الفرجات بأن البديل الارخص والمتوفر والذي لا يحتاج الى كلف رأسمالية كبيرة في ظل ظروف مالية واقتصادية تعاني منها البلاد، هو الاعتماد على آبار المياه الجوفية العميقة والموجودة بالقرب من التجمعات السكانية وفي متناول اليد، لا سيما وان هذه المياه موجودة تقريبا في كل أراضي المملكة، ومن الممكن الاستفادة منها بسرعة لجسر فجوة العجز المائي في قطاع مياه الشرب تحديدا، مع حقيقة وجود تحديات فنية يمكن التغلب عليها كالنوعية (ملوحة وحرارة وإشعاع)، بجانب الآثار المحتملة على الخزانات الجوفية بالطبقات العليا لصلتها المؤكدة تركيبيا (بالصدوع والفوالق الممتدة) مع الطبقات العميقة.
ويضيف البروفيسور الفرجات بأن وزارة المياه وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، إستطاعت ومن خلال الآبار العميقة حل مشاكل نقص المياه في العديد من المناطق، مثل اللجون بالكرك ومشتل فيصل في جرش والمخيبة ووادي عربة والرويشد والشيدية وغيرها الكثير، ونوعيتها تصل المستهلك ضمن المواصفات.
وأن نوعية المياه الجوفية العميقة في المملكة متفاوتة وتتغير مع المكان، الا إن التغلب على مشاكل النوعية في ظل تقنيات تنقية المياه الجديدة أصبح شيء مقدور عليه وبكلف قليلة مقارنة مع البدائل الأخرى.
وقال الفرجات بأنه وعندما ذهبت الوزارة لخيار الآبار العميقة، فلم يكن هنالك أية بدائل متاحة على المدى القصير للحاجات المائية للعاصمة عمان مثلا، ويعتقد بأن الوضع لم يتغير منذ ذلك التاريخ؛ بمعنى توفر خيارات على المدى القصير لتزويد العاصمة بالمياه.
وللتذكير فقط بالبدائل المتاحة، فيبين الفرجات بأنها ثلاثة من حيث حجم الكميات التي تسد العجز المتنامي في المياه وهي: المياه الجوفية العميقة، الناقل الوطني، وخيار شراء المياه من إسرائيل، والأخير فيعلم الجميع ما له وما عليه كما قال الفرجات، ويضيف بأنه ملف معقد.
ويزيد الفرجات بأن منطقة مشروع آبار خان الزبيب هي أحد المناطق المستهدفة للمياه الجوفية العميقة لقربها من العاصمة عمان، وذلك لتوفر البنية التحتية من خطوط ناقلة وغيرها لنقل المياه الى عمان.
ويشدد على أن التوجه لتنفيذ هذا المشروع كان مبني على استراتيجية المراحل، حتى تتمكن الوزارة من جمع أكبر كم ممكن من المعلومات الهيدروليكية الموثوقة، ومن ثم الانتقال الى المراحل الأخرى، حيث كان التصور للمرحلة الأولى ٢٠ مليون متر مكعب سنويا والمرحلة الثانية ٥٠ مليون والمرحلة الثالثة ١٢٠ مليون...الخ.
ويكرر الفرجات: نعيد مرة أخرى، فعندما ذهبت الوزارة لخيار الابار العميقة، لم يكن هنالك أية بدائل متاحة على المدى القصير، وأجزم بأن الوضع لم يتغير منذ ذلك التاريخ، بمعنى توفر خيارات على المدى القصير لتزويد العاصمة عمان بالمياه.
ويضيف بأن المشروع الذي صُمم كجزء من استراتيجية وطنية لتأمين مصادر مائية بديلة حتى إكتمال مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر، تعرض للتعثر لأسباب لا مجال لذكرها هنا، فتم تحويل المشروع لهيئة مكافحة الفساد والادعاء العام، والذي قضى بأن المشروع لا يوجد عليه أي بينة أو دليل على أن القائمين على تنفيذه قد خالفوا الأنظمة والتشريعات الناظمة للعطاء الخاص بالمشروع، وقد صدر القرار بتاريخ ١٣/٧/٢٠٢١.
ونسبة للفرجات فان عطاء المشروع أحيل في زمن الوزير الحالي عندما كان وزيرا في حكومة دولة الدكتور عمر الرزاز، وأشرف على التنفيذ كل من الوزراء معالي م. رائد أبو السعود ومعالي د. معتصم سعيدان ومعالي م. محمد النجار.
ويصرح بأن تحويل المشروع الى هيئة مكافحة الفساد قد أدى إلى تقليل الحماس نحو المشروع، وكذلك المياه الجوفية العميقة بشكل عام؛ خوفا من المساءلة فيما يخص نوعية المياه، حيث لم يتم حفر بئر واحدة من ذلك التاريخ.
وقال البروفيسور الفرجات بأن هذه الشبهات جاءت لتضع المشروع أمام عائق جديد، تضاف إلى التحديات الفنية المتمثلة باستخراج المياه الجوفية ومعالجتها من الإشعاعات والمعادن الثقيلة.
وأن التأخير في إنجاز المشروع زاد من الضغوط على الحكومة، خصوصًا مع التزايد المستمر في الطلب على المياه، وأنه هنا لا بد من الإشارة الى أن أسعار مياه خان الزبيب، ووفقا لأرقام ونتائج تقرير شركة (سي دي ام) الأمريكية والمشرفة على المشروع، فقد بلغت حوالي ٩٠ قرش أردني لكل متر مكعب في موقع الآبار بعد التنقية، وتحتاج الى حوالي ٣٠ قرش لنقلها الى عمان، ليصبح كلفة المتر المكعب واصل خزان أبو علندا حوالي ١٢٠ قرش.
وأن هذا البديل حسب الفرجات يبقى الارخص مالياً من شراء المياه من إسرائيل، والتي تقدر بحوالي ٢ دينار للمتر المكعب الواحد واصل الى خزان دابوق في عمان، وكذلك أرخص من مشروع الناقل الوطني والتي تقدر بحوالي ٣ دولار أمريكي للمتر المكعب الواحد واصل خزانات دابوق وأبو علندا، والذي لابد من تنفيذه مهما بلغت الكلف لأنه مورد داخلي ووطني.
أما من الناحية الاقتصادية ونسبة للفرجات، فمشروع خان الزبيب واي مشاريع حفر عميق في أي منطقة من مناطق المملكة تبقى الأفضل كون القيمة الاقتصادية المضافة أكثر بكثير من البدائل الأخرى ولو على المدى القصير لحين وصول مياه الناقل الوطني.
وتمثل آبار خان الزبيب حسب تصريح الفرجات مصدرًا مائيًا استراتيجيًا للأردن، حيث تحتوي على كميات مياه تصل إلى ستة أضعاف ما يوفره مشروع جر مياه الديسي.
وأن المشروع يعدّ جزءًا من خطة وطنية لاستغلال المياه الجوفية العميقة الممتدة من الرويشد شرقًا إلى الشيدية جنوبًا.
وأن هذه المصادر يمكن أن توفر كميات كبيرة من المياه التي تحتاجها المملكة، خصوصًا في ظل التوترات السياسية المتعلقة بشراء المياه من الجانب الإسرائيلي، وما يرتبط به من مخاوف على الأمن القومي.
الا انه وعلى الرغم من تعقيدات الوضع المائي والتحديات التي تواجه المشروع، فهنالك فرصًا كبيرة لتحويله إلى قصة نجاح وطنية، وكما أشار الفرجات.
ويبين الفرجات بأنه يمكن تحقيق ذلك من خلال:
١) إعادة الثقة للعاملين في قطاع المياه حتى يتمكنوا من مواصلة عملهم، لا سيما وأنه قد تم تحويل العديد من مشاريع المياه الى هيئة مكافحة الفساد، مع أهمية تشديد الرقابة على إجراءات تنفيذ المشاريع.
٢) الاستثمار في تقنيات معالجة المياه العميقة سيسهم في تقليل التكاليف وجعل المشروع أكثر استدامة، والتعاون مع دول ومنظمات دولية ذات خبرة في هذا المجال يمكن أن يكون مفتاحًا للنجاح.
٣) إدماج المشروع في الاستراتيجيات الوطنية، حيث سيكون المشروع داعمًا للناقل لتأمين احتياجات المياه خلال فترات الجفاف وتعزيز مرونة النظام المائي.
٤) زيادة القيمة المضافة مقارنة بالبدائل الأخرى، حيث أن المشروع يمثل فرصة لتوفير فرص عمل للأردنيين في مجالات الحفر والمعالجة والتشغيل.
كما ويساهم في تقليل الضغط على مصادر المياه الأخرى، مما يحسن من توزيع المياه على المواطنين.
٥) تعزيز التعاون الدولي ودعم المشروع ماليا وفنيا من الدول المانحة والمؤسسات الدولية لتطوير المشروع.
ويزيد الفرجات بأن هذا الدعم لا يعزز فقط قدرة الأردن على تنفيذ المشروع، بل يظهر التزامه بحل مشاكله المائية بطريقة مستدامة، ومن الممكن الاستفادة من تمويل الصندوق الأخضر العالمي، لان مثل هذه المشاريع تقع تحت إجراءات التكيف والتخفيف الخاصة بمواجهة التغير المناخي.
وأخيرا يصرح الفرجات بأن التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد يجب ان ينظر الى مشروع خان الزبيب بكافة مراحله، على أنه ليس مجرد مشروع مائي عادي، بل يمثل فرصة تاريخية لتعزيز الأمن المائي الأردني والسيادة الوطنية.
وأن تحويل التحدي إلى فرصة يتطلب إرادة سياسية قوية، ودعمًا شعبيًا، واستثمارًا مدروسًا في التكنولوجيا والموارد البشري، ليصبح هذا المشروع نموذجًا يحتذى به في إدارة الأزمات وتحويل التحديات إلى فرص، مما يضع المملكة في موقع ريادي في المنطقة فيما يتعلق بالأمن المائي والاستدامة، في ظل محدودية الموارد وارتفاع كلفها المالية والسياسية.
ويختم الفرجات بأن ملف المياه الجوفية العميقة إن عالج تحدي النوعية (الاشعاع والمعادن الثقيلة، وهذا متاح تكنولوجيا لتطابق المواصفات)، وخطورة نضوب طبقات المياه الجوفية العليا، فإننا مائيا بخير.