أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات برلمانيات جامعات أحزاب رياضة وظائف للأردنيين مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الكردي تكتب: حين تصم الآذان عن صوت الإنسان العادي


جوان الكردي

الكردي تكتب: حين تصم الآذان عن صوت الإنسان العادي

مدار الساعة ـ
في زمن أصبحت فيه الشهرة تُهيمن على كل شيء، يبدو أن قيمة الإنسان باتت مرتبطة بمدى معرفته بين الناس أو تأثيره في المجتمع.
من الطبيعي أن نجد فناناً أو مذيعاً أو شخصية عامة أو رياضياً يعبر عن حاجته أو يعرض قضيته، فتتسابق المؤسسات والأفراد لمساعدته، بينما يظل المواطن العادي، الذي قد يعاني الأمرّين، يصرخ في فراغ لا يسمعه أحد.
الإنسان المشهور يمتلك ما لا يملكه الآخرون: الأضواء. هذه الأضواء تجعل كل كلمة يقولها محل اهتمام، وكل طلب يقدمه يُعتبر قضية عامة.
في كثير من الأحيان، لا يتعلق الأمر بحجم الحاجة أو أهميتها، بل بقدرة الشخص على تسليط الضوء عليها. وهنا يتجلى التمييز الصارخ بين من يعيش تحت الأضواء ومن يعيش في الظل.
الشخصية العامة، بمجرد أن تعلن عن مشكلة، تتحول هذه المشكلة إلى قضية رأي عام. يهرع الناس لدعمها، أكان بدافع الإعجاب أو رغبة في كسب الشهرة عبر مساعدتها. بينما المواطن العادي، حين يعبر عن حاجته، غالباً ما يُعامل كأنه يطلب شيئاً يفوق حقه، أو يُقابل باللامبالاة وكأنّ معاناته لا تستحق الاهتمام.
الإنسان العادي، الذي يعيش حياة بسيطة ويمر بظروف قاسية، يواجه صعوبة بالغة في الوصول إلى من يسمع صوته أو يستجيب لندائه. لا يمتلك منصة إعلامية، ولا جمهوراً يتابعه، ولا مؤثرين يدعمونه. يبقى محصوراً بين جدران معاناته، يطرق أبواب المؤسسات، ويكتب رسائل قد لا تصل أبداً إلى المعنيين.
في الوقت نفسه، نجد أن قضايا الشخصيات العامة تُطرح بأسلوب يضمن لها الانتشار. الإعلام يساهم في تضخيمها، والناس يتناقلونها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعلها تبدو وكأنها أكثر أهمية من معاناة مئات، بل آلاف الأشخاص غير المعروفين.
المفارقة هنا أن المشاهير غالباً ما يكونون في وضع مادي ومعنوي أفضل بكثير من المواطن العادي. ومع ذلك، هم الذين يحصلون على الدعم أولاً، ليس لأنهم بحاجة حقيقية، بل لأنهم يعرفون كيف يجذبون الانتباه. في المقابل، يبقى الإنسان البسيط عاجزاً عن إيجاد طريقة يلفت بها الأنظار، وكأنه غير مرئي في مجتمع لا يرى إلا من تحت الأضواء.
حين تُهمل احتياجات المواطن العادي لصالح الأسماء اللامعة، يتولد شعور بالإحباط والظلم. هذا الشعور لا يقصُر على الفرد نفسه، بل يمتد ليشمل شرائح واسعة من المجتمع التي تشعر أنها مُهمشة وغير ذات قيمة.
تتحول المجتمعات تدريجياً إلى كيانات تُعلي من قيمة الشهرة فوق الإنسانية، ما يعمق الفجوة بين مختلف الفئات المختلفة. يصبح من الطبيعي أن يكون "الاسم" هو جواز العبور، وليس "الحاجة".
هذه الظاهرة تكشف عن تبدُّلاتٍ وخلل عميق في قيمنا المجتمعية، حيث أصبح الاهتمام مرتبطاً بالشخص أكثر من القضية. وفي ظل هذا الواقع، يبقى السؤال معلقاً بلا إجابة: إلى متى سيظل الإنسان العادي يُنظر إليه كرقم بلا صوت، بينما يُسمع صوت من يملك الشهرة حتى لو لم يكن بحاجة حقيقية؟!
مدار الساعة ـ