أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الغويري يكتب: قصة من تراث قرية بيرين

مدار الساعة,مناسبات أردنية
مدار الساعة ـ
حجم الخط
مدار الساعة - كتب: عبدالله محمد الغويري - أحداث هذه القصة حقيقية، وحصلت في قرية (بيرين) خلال فترة الخمسينات أو الستينات أو ربما الأربعينات من القرن الماضي، ربما تكون هناك روايات أخرى مع أشخاص أخرين عاصروا تلك الحادثة وبتفاصيل مختلفة، لكن هنا ساكتفي بتلك الرواية التي سمعتها من بعض كبار السن - الذين أعطوا تلخيص لتلك الحادثة، قمتُ بكتابة تلك القصة كما (أنا تخيلتها) وسميتها (لمعة شمس) - وهي قصة واقعية من تراث وداي بيرين.
(لمعة شمس)...
مشى (سِمْرين) في عتمة حجرتهِ صوب ضوء الشمس النافذ داخل دارهِ، ثمة صوت لِامرأة في حوش الدار تغني مع الصباح، قال لها (سمرين) وهو يَخرج بكتفهِ الأيمن من باب الدار الضيق:
-يا حُرمة مطول هالفطور..الدنيا ضحى والجوع باط كبدي...!!.
ردت عليهِ (نَصْرَة) :
-هيه يا رجل توبني واردة من عين مية الواد، وعَلَّفْت المْعِيْزات، اصبر لما اجهز لك صحن زبدة ودبس تمر..
قالت له ذلك وهي تفرد بسرعة قرص عجين جديد على الصاج الساخن وكأنَّها تتعمد إغاظة جوع (سمرين) - بعدما أيقنت أنَّ رائحة خبز الشّرَاك انتشرت كغيمة في جو السماء.
راح (سمرين) يتوضأ ليصلي الضُّحى من إبريق الحديد في فِناء الدار، نظر صوب الجهة المقابلة له، وقال (لنصرة):
-شايف شي يلمع بالجال الشرقي..!!.
أدارت (نصرة) رأسها نحو اليسار بزاوية تسعين درجة .. ثم سألت عن المكان الذي يقصده..؟.
أجاب (سمرين):
-هناك... مكان الخيمة..!!.
تفاجأت (نصرة) قليلاً، ثم استكملت عملها في فرد رغيف أخر.
صلى (سمرين) ركعتي الضحى أمام باب الدار، وعندما لف رأسه في التسليمة الثانية لمح (فلاح) يحوم حول تلك اللمعة، انتفضَ (سمرين) من مكانهِ، وهرول مسرعاً نحو المنحدر أمام بيته، وقال وهو في الدرب الوعرة وبصوت متذبذب وكأنَّ بعض كلماتهِ ضائعة ومتدحرجة:
-ما قلت لك يا نصرة.. أنه في شي.. هي (فلاح العَقيل) سبقني هناك..!!.
قامت (نصرة) من مكانها ونفضت بعض العجين من يدها على قماش (مدرقتها).. ثم بدأت تراقب (فلاح) وهي تضع أصابعها على وجهها بوضعية التعجب...!!.
عبَرَ (سمرين) الوادي حتى وصل إلى الجهة المقابلة حيث موقع (اللمعة)، قابلهُ (فلاح) هناك، أومأَ لهُ (فلاح) بِعيْنيهِ نحو اللمعة، قال (سمرين) وهو يلهث:
-شايف يا فلاح..!! ما قلت لكم ماني مرتاح للي يصير.. أنت شلون وصلت هان.؟.
حرك (فلاح) رأسه عدة مرات يميناً ويساراً.. سكت للحظة، ثم قال وهو يشير بيده إلى جهة الغرب التي جاءَ منها:
-طلعت من الحوش، وشَرَّقت مع المِعْزَة. ووصلت هان.. ما في خيمة..!! ولا في حدا..!!.. وإنك جاي...
هدأَ كلاهما.. واسترجع كل واحد منهما في ذهنةِ ماذا حصل قبل بِضعة أيام...
قبل أربعة أيام :
جاء رجل غريب وزوجتهُ إلى وادي بيرين، ومعهما حِمار وبعض المَتاع، طلب الرجل المبيت في القرية لِعده أيام، عرضَ عليهما أهل الوادي الاستضافة والمساعدة، لكنَّ الرجل اعتذر عند ذلك، وأخبرهم بأنَّهُ سيبني لهما خَيْمة يستقرانِ فيها مؤقتاً، وقال أنَّهُ عابر سبيل يبيعُ بعضَ الأغراض المنزلية الخفيفة ومواد تجميل للنساء ويعالج الأسنان ويُطَهِّر الأولاد، قَدَّمَ لهما أهل الوادي ما يلزمهما من الطعام، أمَّا الماء فكانا يحصلانِ عليه من عَيْنِ الماء اسفل الوادي.
كان الرجل الغريب يتصرف بشكل طبيعي أثناء النهار، ويتفاعل مع الناس بالرغم من لهجتهِ المُستغرَبة وحروفهِ العربية المُكسَّرة، أمَّا في الليل فكان يلتزم الخيمة مع زوجتهِ، ويُشعل مِصباح الزيت لوقت متأخر أحياناً، وفي الليلة الأخيرة ظل الضوء من خيمته يَخْفِت.. و... يتوهَّج - حتى بزوغ الفجر.
كل شي بدا طبيعياً وعادياً حتى صباح اليوم، عندما استيقظ الجميع على رحيل الرجل وزوجتهِ واختفاء خيمتهِ، قال (فلاح) لسمرين- بعدما أطال كلٌ منهما التفكير :
-وهاظ هو اللي جابنا هان... وهالتراب الأحمر الغامق.. (قال ذلك وهو يُشير بسبابتهِ مراراً نحو الحفرة الجديدة).
أضاف (سمرين):
-وأنا اللي جابني شفت شي يلمع بالتراب مكان الخيمة..
قال (فلاح) بعدما ضغطَ على شبريتهِ المثبتة على خصرهِ:
-الظاهر أنه الرجل كان يحفر طول الليل داخل الخيمة، وهاظ اللي يلمع قطعة ذهب واقعه منه.
انصرفَ كل واحد منهما عن الإنصات للأخر، وبشكل سريع ومفاجئ جَثَى كل منهما على ركبتيهِ وراحا يُنبِّشانِ بالتراب الأحمر (الطمر الناتج من الحفرة)، ولم يجدا سوى قطعة ذهبية تركية واحدة، بحثا مَلياً عن قِطع أُخرى لعلها قد تكون سقطت من ذلك الرجل وهو يحمل (الكنز) قبل أنْ يغادر-لكن دون فائدة.
قال( فلاح) وهو ينفض التراب عن ركبتهِ:
-شايف يا سمرين.. هذا الكنز باقي تحت رجلينا وكل يوم نمرق من فوقه واحنا ما ندري.. يا حسرتي علينا...
قاطعهُ (سمرين) وهو يَثِبُ بالوقوف:
-وإحنا وش يدرينا.. إحنا نعلم بالغيب..؟!. بس هالتركي ملعون هالحِرسي وشلون دل مكان دفن الذهبات؟!..
أجابهُ (فلاح):
-خارطة.. هذا أكيد لافي هان ومعه خارطة، تلاقي هذا الذهب مخبيه أبوه أو حدا من جماعته لمَّا كان جندي تركي أيام ما كان العثمانيين بهالبلاد..
هز (سمرين) رأسه عدة مرات مؤكداً كلام (فلاح)، واتفقا على أنْ يرى كل أهل الوادي تلك القِطعة إذا اجتمعوا في سهراتهم أو في اللقاءات.
أكملَ (فلاح) طريقهُ مع أغنامهِ نحو (تلة زوبيا)، ورجعَ (سمرين) إلى دارهِ، استقبلت (نصرة) سمرين وعيناها تَبْرِقانِ بالفُضُول، دخلَ سمرين حوش الدار بخطوات هادئة ومُحبَطة، قالت له (نصرة) بنبرة عِتاب :
-فطورك صار بارد يا رجل، وش كنت تحفر أنت وفلاح.؟؟!!.
التفت (سمرين) إليها بنظرات عابسة.. ثم قَصَّ عليها ما حصل.
ردت عليهِ ( نصرة) وهي تطرد بيدِها بعض الذباب عن صحن الدّبس:
- من يومين قلت للنسوان جاراتي - ماني مرتاحه للرجل الغريب وحرمته..وسبحان الله طلع كلامي صِحيح..
ثم سألتهُ:
-طيب.. أنْتَ وفلاح لقيتوا شي..؟! ..
أخذ (سمرين) نَفَساً عميقاً حتى شهقَ صدرهُ، ثم حرك رأسه بإتجاه القِبلة وقال وهو يرفع يده مُكبِّراً لركعتي ضحى نافلة:
-لقينا لمعة شمس يا نصرة... لمعة شمس.. !!!!.
  • Madar Al-Saa Images 0.7668125544510134
  • Madar Al-Saa Images 0.9845087121800808
مدار الساعة ـ