مدار الساعة - كتب: د. عماد الدين الزغول - يشهد الشرق الأوسط تقلبات سياسية واقتصادية متسارعة، تتسم في كثير من الأحيان بظهور أحداث مفاجئة وغير متوقعة تغير مسار المنطقة بشكل جذري. يمكن تحليل هذه التحولات من خلال نظرية البجعة السوداء التي طرحها نسيم نيكولاس طالب، والتي تفسر تأثير الأحداث النادرة وغير المتوقعة على الأنظمة والمجتمعات. من خلال هذا الإطار التحليلي، نستعرض أبرز الأحداث التي أثرت على الشرق الأوسط، مثل التطورات في غزة، سقوط النظام السوري، تراجع النفوذ الإيراني، وخطط إسرائيل التوسعية.
وفقًا لنظرية البجعة السوداء، تتميز بعض الأحداث بثلاثة عناصر رئيسية: ندرتها، تأثيرها الكبير، ومحاولة تفسيرها بعد وقوعها وكأنها كانت متوقعة. هذه السمات تنطبق على العديد من الأحداث في الشرق الأوسط، حيث أدت تطورات غير متوقعة إلى تغييرات جوهرية في ميزان القوى السياسي والاقتصادي.
ونذكر اهم الأحداث السياسية التي لم تكن متوقعة في الشرق الأوسط وكان لها انعكاس تحولي على كل المجالات
1. تصاعد الأزمات في غزة:
الحروب المتكررة بين المقاومة الفلسطينية في غزة وإسرائيل تُعد من أبرز الأحداث غير المتوقعة التي تعيد تشكيل الديناميكيات السياسية في المنطقة.
• التأثير: التصعيد الأخير في غزة كشف عن تطور قدرات المقاومة الفلسطينية وتزايد تأثيرها على الساحة الدولية، مما أجبر أطرافًا إقليمية ودولية على إعادة النظر في سياساتها تجاه الصراع.
• عنصر المفاجأة: التغير في تكتيكات المقاومة وقدرتها على تهديد العمق الإسرائيلي لم يكن متوقعًا بالدرجة التي حدث بها.
وكذلك ردات الفعل الاسرائيلية تجاه السابع من اكتوبر الغير متوقعه ايضا ومنها التضحية بالاسرى مقابل اثبات الوجود والانتصار والسيطرة العسكرية، وطول النفس في الحرب التي ام تكن معهودة لدى الحيش الاسرائيلي، ومن جانب آخر لم يكن متوقعا ان يمون الجيش الذي وصف بانه لا يقهر بهذه الهشاشة التي كشفت في الميدان، وكان مفاجاء ايضا كشف الوجه الخقيقي الصهيوني في الاعلام العالمي ولدى الجيل الجديد في جامعات العالم الغربي على وجه الخصوص.
2. سقوط النظام السوري:
مع استمرار الحرب في سوريا منذ عام 2011، أصبح سقوط النظام السوري احتمالًا قريبًا بعد استنزاف موارده وانحسار الدعم الروسي والإيراني تدريجيًا.
• التأثير: انهيار النظام سيؤدي إلى فراغ سياسي قد يعيد تشكيل الخارطة الجيوسياسية في المنطقة، خاصة مع تصاعد نفوذ الجماعات المحلية والقوى الدولية.
• التفسير بعد الحدث: رغم أن التوترات الداخلية كانت واضحة، إلا أن انهيار النظام بهذا الشكل المتسارع لم يكن في الحسبان قبل عقد من الزمن.
3. تراجع النفوذ الإيراني:
إيران، التي كانت لاعبًا رئيسيًا في المنطقة، تشهد تراجعًا واضحًا في نفوذها بسبب الضغوط الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الدولية، والاضطرابات الداخلية، وتآكل دورها في سوريا والعراق واليمن.
• التأثير: ضعف إيران فتح المجال لقوى إقليمية أخرى لتعزيز نفوذها، وأعاد تشكيل التحالفات في المنطقة.
• عنصر المفاجأة: تراجع إيران بهذا الشكل السريع، رغم قوتها العسكرية والاقتصادية السابقة، كان غير متوقع.
4. خطط التوسع الإسرائيلي:
تعمل إسرائيل بشكل متسارع على تنفيذ خططها التوسعية، بما في ذلك ضم أراضٍ في الضفة الغربية وتعزيز نفوذها في الجغرافيا العربية عبر التطبيع مع دول جديدة.
• التأثير: هذه الخطط تهدد بإعادة إشعال الصراعات الإقليمية وتعميق حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
• عنصر المفاجأة: التحول السريع من حالة الصراع إلى التطبيع مع عدة دول عربية كان تطورًا غير متوقع في سياق الصراع العربي الإسرائيلي.
اما التحولات الغير متوقعه على المستوى الاقتصادي في الشرق الأوسط فيمكن اجمالها في التالي:
1. انهيار أسعار النفط:
الاعتماد الكبير لدول الخليج على النفط جعل انهيار أسعاره في 2014 وما بعده بمثابة “بجعة سوداء” أثرت على الاقتصادات المحلية وأجبرت الدول على تنويع مصادر دخلها.
• التأثير: دفع ذلك إلى تبني خطط مثل رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط.
• عنصر المفاجأة: رغم التوقعات بتقلب الأسعار، إلا أن الانهيار السريع والحاد كان صدمة كبرى والقى بظلالة على الاقتصادات المعتمده على النفط واقتصاديات الدول المعتمدة عليها بالتوالي.
2. الأزمات الاقتصادية في لبنان:
انهيار النظام المصرفي اللبناني وأزمة الدين العام تسببا في شلل اقتصادي كامل.
• التأثير: هذه الأزمة أضرت بالبنية الاجتماعية والاقتصادية وأدت إلى هجرة واسعة.
• عنصر المفاجأة: لم يكن أحد يتوقع انهيار النظام المصرفي اللبناني الذي كان يُعتبر ركيزة للاستقرار المالي في المنطقة.
3. التأثيرات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19:
تسببت الجائحة في شلل قطاعات حيوية مثل السياحة والنقل، ما أثر بشكل كبير على اقتصادات الشرق الأوسط، خاصة الدول التي تعتمد على هذه القطاعات كمصدر رئيسي للدخل.
• التأثير: كشفت الجائحة هشاشة الاقتصادات الإقليمية واعتمادها على موارد محدودة.
• عنصر المفاجأة: الجائحة لم تكن متوقعة، وعمق تأثيرها الاقتصادي كان مفاجئًا للجميع.
الدروس المستفادة من نظرية البجعة السوداء
• الاستعداد للصدمات: يجب على دول المنطقة تعزيز مرونتها السياسية والاقتصادية لمواجهة الأحداث غير المتوقعة.
• التخطيط طويل الأمد: الاعتماد على موارد محددة، مثل النفط، يجعل الدول عرضة لصدمات كبيرة.
• تعزيز التعاون الإقليمي: يمكن للأزمات أن تكون فرصة لتعزيز التعاون بين دول المنطقة لمواجهة التحديات المشتركة.
وتاسيسا على ماتقدم ذكره فان التحولات المفاجئة السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط تجسد نظرية البجعة السوداء، حيث تظهر تحولات غير متوقعة تغير المشهد بالكامل. ومن هنا اعو الدول والمؤسسات المعنية بالتخطيط الاستراتيجي والدراسات الاستشرافية الى ضرورة فهم هذه النظرية الامر الذي قد يساعد في تعزيز المرونة والتخطيط لمستقبل مليء بالتحديات، خاصة في منطقة تتسم بالتقلبات المستمرة.