تعتبر الشرعية السياسية في الإسلام موضوعًا مركزيًا استقطب العديد من العلماء والمفكرين عبر التاريخ، ومن أبرز هؤلاء الإمام أبو حامد الغزالي، الذي أثر بفكره على مفاهيم الشرعية الدينية والسياسية. إن فهم الشرعية السياسية في الإسلام من خلال فكر الغزالي يمكن أن يساهم بشكل كبير في معالجة قضايا العصر الحديث، بما في ذلك الحوار الوطني السوري.
تقوم الشرعية السياسية في الإسلام على مفهوم الحاكمية لله، حيث يعتبر الحاكم وكيلاً عن الأمة في تنفيذ الأحكام الشرعية وتطبيق العدالة. تتطلب الشرعية السياسية وجود شروط محددة في الحاكم، مثل العدالة والكفاءة والقدرة على حماية الدين وتحقيق مصالح الأمة. وفي هذا السياق، يشدد الغزالي على ضرورة الجمع بين السياسة والدين لتحقيق الخير والعدالة.
في كتابه "إحياء علوم الدين"، يرى الغزالي أن السلطة السياسية يجب أن تكون وسيلة لتحقيق النظام الاجتماعي وحماية حقوق الأفراد، ولا ينبغي أن تتحول إلى غاية بحد ذاتها. كما أنه يشير إلى ضرورة توازن الحاكم بين مصالح الأمة وبين تطبيق الشريعة، مما يجعل من الأخلاق أساسًا رئيسيًا للشرعية السياسية.
يرى الغزالي أن الشرعية السياسية تعتمد بشكل أساسي على الالتزام بالأخلاق الإسلامية، وأن أي انحراف عن هذه الأخلاق يقوض شرعية الحاكم. كما يشدد على أن الحكام يجب أن يخضعوا للمساءلة أمام الله وأمام الناس. هذا الفهم يجعل من الحاكم مسؤولاً عن تحقيق العدل ومحاربة الفساد، وهي مبادئ يمكن الاستفادة منها في السياق السوري.
كما يركز الغزالي على ضرورة الاستشارة والشورى في الحكم، حيث يؤكد أن الحاكم لا يمكنه اتخاذ القرارات بمفرده، بل يجب عليه أن يعتمد على نصيحة العلماء وأهل الحل والعقد. هذه الفكرة قد تكون لها أهمية خاصة في الحوار الوطني السوري، حيث تعد الشورى والتشاور من المبادئ التي يمكن أن تساعد في بناء توافق وطني.
في السياق السوري، يواجه المجتمع تحديات كبيرة تتعلق بالشرعية السياسية وإعادة بناء الدولة. يمكن لفكر الغزالي أن يكون مرجعًا مهمًا للحوار الوطني السوري، حيث يمكن استخدام مبادئه في تحقيق توافق سياسي يستند إلى القيم الإسلامية.
من أهم المرتكزات التي يمكن أن يسهم بها فكر الغزالي هي أهمية العدالة في الحكم. يجب أن يكون الحوار السوري مؤسسًا على أساس العدالة والمساواة بين جميع الأطراف، مع ضمان المحاسبة على الانتهاكات السابقة لتحقيق المصالحة الوطنية.
كما ان الشورى والمشاركة الذي دعا إليه الغزالي تستطيع ان تكون خارطة طريق للحوار الوطني، حيث يجب أن تشارك جميع الفئات المجتمعية والسياسية في صياغة مستقبل سوريا، بدلاً من أن تحتكر جهة معينة السلطة.
يرى الغزالي أن الأخلاق يجب أن تكون جوهر السياسة، وبالتالي يجب أن يقوم الحوار الوطني على مبادئ الأخلاق والنزاهة، بعيدًا عن المصالح الشخصية أو الفئوية.
و في ضوء فكر الغزالي، يمكن أن يكون هناك توازن بين الدين والسياسة في بناء الدولة السورية، بحيث لا يتم إقصاء الدين من المجال السياسي، ولكن في نفس الوقت لا يُستخدم كأداة للتفرقة بين الفئات المختلفة.
الشرعية السياسية في الإسلام، كما تناولها الغزالي، تمثل إطارًا قيمًا يمكن أن يساعد في بناء توافق وطني في سوريا. إن مبادئ العدالة، الشورى، والأخلاق السياسية التي دعا إليها الغزالي يمكن أن تكون أساسًا لبناء دولة سورية جديدة قائمة على التوافق والإجماع.