الأُسْرَةُ هِيَ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَأَبْنَاءٍ، وَيَرْتَبِطُ بَيْنَهُمْ صِلَةُ قَرَابَةٍ وَتَجْمَعُهُمُ المَوَاقِفُ وَالعَادَاتُ وَالتَّقَالِيدُ. أَصْبَحَتِ الأُسْرَةُ رُكْنًا أَسَاسِيًّا فِي المُجْتَمَعِ، وَكَمَا نَرَى، فَإِنَّ تَكْوِينِ الأُسْرَةِ وَضَمَانَ اسْتِقْرَارِهَا فِي زَمَانِنَا الحَالِيِّ يَعُدُّ تَحَدِّيًا كَبِيرًا. فَالشُّرُوطُ الاقْتِصَادِيَّةُ الَّتِي فَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى مَعِيشَةِ النَّاسِ حَدَّتْ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ مِنْ مُسْتَوَيَاتِ الزَّوَاجِ فِي المُجْتَمَعِ. كَمَا أَنَّ النَّمَطَ الاسْتِهْلاكِيَّ الحَدِيثَ، الَّذِي يُرَكِّزُ بِشَكْلٍ مُفْرِطٍ عَلَى الكَمَالِيَّاتِ، أَضْعَفَ اجْتِمَاعَ الأُسَرِ الكَبِيرَةِ الَّتِي كَانَتْ تَتَعَاوَنُ وَتَتَكَامَلُ فِي تَأْدِيَةِ وَاجِبَاتِهَا، لِتَحُلَّ مَكَانَهَا الأُسْرَةُ النَّوَوِيَّةُ الصَّغِيرَةُ، المُكَوَّنَةُ غَالِبًا مِنْ زَوْجَيْنِ كَبِيرَيْنِ فِي السِّنِّ، وَالمَشْغُولَةِ فَقَطْ بِتَأْمِينِ المُتَطَلَّبَاتِ المَادِّيَّةِ.
بِالإضَافَةِ إِلَى ذَلِكَ، أُوَاجِهُ تَحَدِّيًا كَبِيرًا فِي بِنَاءِ أُسْرَةٍ قَوِيَّةٍ وَمُتَكَامِلَةٍ. لَقَدْ أَصْبَحَتْ حَيَاتُنَا كَأُمَّهَاتٍ صَعْبَةً جِدًّا نَظَرًا لِتَضَخُّمِ مُتَطَلَّبَاتِ العَيْشِ. وَلِذَلِكَ، لَجَأَتِ المَرْأَةُ لِلْخُرُوجِ إِلَى سُوقِ العَمَلِ، مِمَّا تَرَكَ فَرَاغًا كَبِيرًا سَيَكُونُ لَهُ آثَارٌ بَعِيدَةُ المَدَى عَلَى تَرْبِيَةِ الأَبْنَاءِ وَمُتَطَلَّبَاتِ الزَّوْجِ وَالبَيْتِ. هَذَا السِّبَاقُ المَحْمُومُ الَّذِي تُخَوضُهُ المَرْأَةُ لِلحِفَاظِ عَلَى أُسْرَتِهَا وَتَمَاسُكِهَا أَصْبَحَ عِبْئًا مُتَزَايِدًا.
وَلَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَجَاهَلَ نَظْرَةَ المُجْتَمَعِ إِلَى المَرْأَةِ العَامِلَةِ، حَيْثُ تُنْظَرُ إِلَيْهَا أَحْيَانًا نَظْرَةً سَلْبِيَّةً، وَيُعْتَقَدُ أَنَّهَا مُنْفَتِحَةٌ بِشَكْلٍ مُبَالَغٍ فِيهِ، مِمَّا يُضِيفُ أَعْبَاءً نَفْسِيَّةً إِضَافِيَّةً عَلَيْهَا.