تشهد العلاقة بين الأستاذ الجامعي والطالب في الجامعات أحيانًا حالة من الالتباس، حيث تتراوح بين الرسمية المفرطة التي تضع حواجز غير ضرورية، وبين الود الذي يُساء فهمه أحيانًا. هذه العلاقة، التي يُفترض أن تكون قائمة على الاحترام المتبادل والإنسانية، تتحول أحيانًا إلى ساحة جدل حول حدودها وأسسها. ومع انتشار بعض المظاهر التي تعبر عن التقدير مثل تقديم الشوكولاتة من الطلبة لأساتذتهم، بدأت تظهر تساؤلات حول طبيعة هذه العلاقة وما إذا كان يجب أن تظل محصورة في قالب صارم يخلو من الإنسانية.
لا يمكن إنكار أهمية أن تكون العلاقة بين الأستاذ والطالب قائمة على الاحترام كركيزة أساسية، لكن هذا الاحترام لا يتناقض مع المحبة أو التقدير. الطالب الذي يجد في أستاذه دعمًا إنسانيًا وإصغاءً صادقًا يصبح أكثر قدرة على التعبير عن آرائه ومواجهة تحدياته الأكاديمية، بينما يكتسب الأستاذ من هذه العلاقة ثقة طلابه واحترامهم الحقيقي، وليس الاحترام القائم على الخوف.
ظاهرة تقديم الشوكولاتة، التي انتشرت في بعض الجامعات كتعبير رمزي عن المحبة والامتنان، أثارت حفيظة البعض ممن رأوها خروجًا عن الإطار الأكاديمي الرسمي. لكن الحقيقة أن هذه التصرفات تحمل بُعدًا إنسانيًا يتجاوز الحواجز الشكلية. فهي لا تهدف إلى التأثير على التقييم أو تقديم تنازلات أكاديمية، بل تعبر عن شعور الطالب بالتقدير لأستاذه. ومع ذلك، سارعت بعض الجامعات إلى منع مثل هذه المظاهر، متذرعة بالحفاظ على هيبة العلاقة الأكاديمية، مما أثار تساؤلات حول فهمنا لطبيعة هذه العلاقة.
المشكلة الأعمق تكمن في النظرة النمطية التي تصف الأستاذ الجامعي الودود والمتفهم بأنه متساهل، بينما يُنظر إلى الأستاذ المتجهم والصارم على أنه مثال للالتزام الأكاديمي. هذه الثنائية تضع الأساتذة في موقف صعب، حيث يُفترض أن يختاروا بين كسب محبة طلابهم أو الحفاظ على صورتهم كأكاديميين جادين. لكن في الواقع، الشدة الأكاديمية لا تعني أبدًا التخلي عن اللطف والإنسانية، بل يمكن الجمع بين الاثنين لتحقيق بيئة تعليمية صحية ومثمرة.
الجانب الإنساني في العلاقة بين الأستاذ والطالب ليس ترفًا، بل ضرورة لخلق بيئة تعليمية محفزة. الطالب يحتاج إلى الشعور بالراحة والاحترام ليكون قادرًا على المشاركة والتفاعل بحرية، كما يحتاج الأستاذ إلى إدراك أن دوره لا يقتصر على التلقين، بل يمتد إلى بناء شخصية الطالب وإعداده لمواجهة الحياة.
التعليم ليس عملية ميكانيكية تعتمد فقط على الكتب والمناهج، بل هو عملية إنسانية تتطلب توازنًا بين الشدة واللطف، وبين الالتزام الأكاديمي والمرونة الإنسانية. إذا أردنا أن نعيد صياغة مستقبل التعليم، فعلينا أن نبدأ بإعادة النظر في طبيعة العلاقة بين الأستاذ والطالب، لتكون علاقة قائمة على الاحترام الحقيقي الذي يجمع بين المحبة والالتزام، بعيدًا عن الترهيب أو المظاهر الشكلية التي تخفي عمقها الإنساني.