من أبجديات الصحافة المهنية أنها تمثل مجموعة من المبادئ والأساليب التي تهدف إلى تقديم الأخبار والمعلومات بدقة وموضوعية؛ فهي تعتمد على معايير أخلاقية صارمة، مثل التحقق من المصادر وتجنب التحيز، والابتعاد عن الالفاظ التي تثير الفتنة في المجتمعات، مما يعزز الثقة بين الصحفيين والجمهور.
وإذا ما ذهبنا الى المسؤولية الإعلامية؛ فهي بمعنى أن يتحمل الصحفيين عواقب أعمالهم، ويجب عليهم تقديم محتوى يساهم في إبلاغ المجتمع وتعزيز النقاش العام تجاه الإيجابية بعيداً عن اثارة الفتن؛ فالنزاهة والشفافية والمساءلة تُعد من القيم الأساسية التي تميز الصحافة الجيدة، مما يسهم في حماية الديمقراطية وضمان حقوق الأفراد من خلال إعلام موثوق وقائم على الحقائق.
رصدت بالأمس مقالاً استفزازياً فتنوياً تحت عنوان "صورة للملك عبد الله تشعل الجدل في الأردن و(تُخرس ألسنة العنصريين).. ما دلالاتها؟" وبعد قراءة المقال؛ وجدت انه يستحق الإنتقاد لأسباب عدة، ترتكز على العنوان والمضمون وتحليلهما من منظور الصحافة المهنية والمسؤولية الإعلامية.
أظهر المقال مشكلة كبيرة في معالجة المواضيع الحساسة إعلامياً خاصة من قبل منصات ومواقع وصحافة خارجية (ذات اجندة غير أردنية)، حيث يعكس أسلوباً مستفزاً يفتقر إلى التوازن والحيادية المطلوبة في العمل الصحافي؛ ومن هم يتابعون المنصة التي حررت المقال واخرجته للعلن؛ واقصد أهل الاختصاص الإعلامي السياسي؛ يجد أن استخدام كلمة مثل "تُخرِس" في العنوان ليس مجرد اختيار لغوي عابر، بل هو دعوة مبطنة لإلغاء الآخر وتحقير الأصوات المخالفة، وهو أمر يتنافى مع قيم الحوار واحترام التعددية في المجتمع الأردني.
لا أنكر أن المقال بحد ذاته حاول تقديم صورة عن الجدل حول مصطلح "الهوية الجامعة" المتداول بين أروقة المجتمع الأردني، لكنه (المقال) يسقط في فخ الانحياز الواضح وعدم تقديم الطرح بشكل موضوعي؛ فلن يُضللنا الاستعراض الوهمي لبعض الآراء من هنا وهناك؛ لكن ما كان واضحاً وضوح الشمس التركيز على دعم وجهة نظر معينة دون توفير مساحة كافية للرأي الآخر؛ وهذا النوع من الطرح يُضعف مصداقية الإعلام، خاصة عندما يُستخدم العنوان بشكل مثير للاستقطاب، مما يعكس رغبة في تأجيج المشاعر بدلاً من تهدئتها.
ومن يقرأ المقال سيجد أن اللغة المستخدمة، وخاصة العنوان، تعكس خطاب غير مسؤول إعلاميًا؛ وبالعودة على كلمة "تُخرس" وما تحمله في طياتها من نبرة عدوانية لا تتناسب مع الهدف المفترض للإعلام في تعزيز الحوار وتقديم المعلومات بشكل محايد؛ كما أن ربط الصورة بخطاب التخوين أو العنصرية يُظهر غياب العمق والتحليل الحقيقي للمشكلة، حيث يُختزل الجدل إلى اتهامات متبادلة بدلاً من البحث عن حلول فعلية.
وللعلم؛ سواء لإدارة المنصة الإعلامية او متابعيها أو كبير فكر أجندتها؛ فإن الأردن لا ينظر لتخاريف ما يقوله العرّافين والعرّافات الذين تتابعونهم بأي مستوى من درجات الخطورة؛ بقدر ما نلمسه من خطورة حقيقية تكمن في تأثير مثل هذه العناوين على النسيج المجتمعي؛ وذلك لأن الأردن بلد يقوم على التعددية والعيش المشترك، والإعلام المحلي له دور في تعزيز هذه القيم، وليس تقويضها عبر خطاب يُساهم في تأجيج التوترات بين فئات المجتمع كما تفعلون أنتم أصحاب الأجندات الخارجية التي تسعى لسراب تدمير المجتمع الأردني من الداخل؛ فعندما يُستخدم الإعلام الخارجي الغير أردني والموجّه كمنصة لتحقير الرأي والرأي الآخر في شأن داخلي أردني، فإنه يُصبح جزء من المشكلة؛ ألا يكفي ما تسببتم به من دمار لغزة والضفة؛ ألا يكفي ما تسببتم به من دمار وتهجير للشعب اللبناني والسوري والعراقي واليمني؟ لا تقلقوا بشأننا الداخلي؛ الملك عبدالله الثاني ابن الحسين صدح بها عالياً امام العالم "للأردن هوية وطنية أردنية كانت وستبقى مصدر ثبات وقوة" رفعت الأقلام وجفت الصحف.