في صباح غائم من عام 2024، اجتاحت أعنف السيول مدينة فالنسيا الإسبانية، مسببةً خسائر تقدر بمليارات الدولارات وشردت آلاف العائلات.
لم تكن فالنسيا المدينة الوحيدة التي تواجه هذه الكارثة، ولن تكون الأخيرة، فهذا المشهد المؤلم يلوح في الأفق ليتكرر بشكل متزايد في مختلف أنحاء العالم، ما يذكر الجميع بأن تغير المناخ ليس مجرد تهديدٍ مستقبلي، بل هو أزمة قائمة تمس الاقتصادات والمعيشة اليومية.
في خضم هذه الأزمة، تبرز أهمية تطوير أدوات مبتكرة تتيح للحكومات والشركات والأفراد التصدي لهذه المخاطر والتعامل مع التداعيات المالية الناتجة عنها، ورغم إمكانية النجاح في إدارة هذه المخاطر، فإن الفشل يظل احتمالاً وارداً، فقد تجد عدد من المدن نفسها، رغم وعيها بخطورة الوضع، عاجزة عن مواجهة التحديات المتزايدة، مما يؤدي إلى تفاقم الخسائر.كيف يمكن أن تفشل المدن في إدارة المخاطر المالية؟رغم المبادرات والسياسات المتبعة، قد تقع المدن في أخطاء تكلفها الكثير، مما يعوق قدرتها على التصدي للأزمات المناخية.
تعتمد العديد من المدن على خطط قصيرة الأمد تركز على معالجة الأزمات الفورية، متجاهلة أهمية وضع استراتيجيات مستدامة تستشرف المستقبل، فعلى سبيل المثال، إذا لم تأخذ خطط تطوير البنية التحتية في الاعتبار تأثيرات تغير المناخ، مثل ارتفاع منسوب البحار أو زيادة الفيضانات، فإن هذه الاستثمارات قد تتحول إلى عبء في المستقبل بدلاً من أن تكون حلاً فعالاً.
كما أن نقص التمويل وسوء إدارة الموارد وسوء توزيع الموارد قد يؤدي إلى استنزاف الميزانيات في مشاريع غير ذات أولوية.
فيما يضع الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية، المدن في موقف ضعيف عندما تتوقف هذه المساعدات أو تتأخر.
أضف الى ذلك أن ضعف التكامل والتنسيق بين الجهات المعنية قد يؤدي سوء توزيع الموارد ما يؤديالى إستنزاف الميزانيات في مشاريع تفتقر إلى الأولوية.
إن غياب التنسيق بين الحكومات المحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني يمكن أن يؤدي إلى تباين الجهود، ما يعوق الاستجابة السريعة والفعالة للأزمات.
علاوة على ذلك، فإن الاعتماد المفرط على المساعدات الخارجية يضع المدن في وضعية ضعيفة عندما تتوقف أو تتأخر هذه المساعدات.
لكن الخطر الأكبر الذى يواجه المدن هو عدم الاعتماد على البيانات الحقيقية والتكنولوجيا، فالإفتقار الى أنظمة إنذار مبكر غير متوقعة قد تكون لتقنيات تحليل المخاطر قد تكون عرضة لكوارث وخسائر غير متوقعة سواء إقتصادية وبشرية.
فإذا لم تضع المدينة سياسات متاحة وشاملة لسكان المدينة كافة وموزعة بعدالة، وخاصة للفئات الأضعف، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة التباين الاجتماعي وزيادة التعرض للمخاطر المناخية فقد نجد أن المناطق الفقيرة تكون أكثر عرضة للتأثر بالكوارث.
لحسن الحظ، هناك أدوات فعّالة يمكن أن تسهم في تقليل هذه الإخفاقات إذا تم اعتمادها بشكل صحيح، فالسندات الخضراء والتأمين المناخي تعتبر من الحلول مبتكرة لتجنب الفشلفالسندات الخضراء تعد وسيلة تمويل مهمة لمشاريع مستدامة، مثل تعزيز البنية التحتية القادرة على مواجهة الكوارث أو إنشاء أنظمة نقل صديقة للبيئة.
تجارب مدن مثل كوبنهاغن تثبت كيف يمكن لهذه الأداة المالية أن تحول التحديات إلى فرص حقيقية.أما التأمين المناخي: يساهم في مساعدة المدن على التعامل مع الكوارث الطبيعية من خلال توفير تعويضات مالية سريعة، مما يُعجّل عملية التعافي ويخفف من الآثار السلبية.
المدن تعتبر أكثر من مجرد مراكز للنشاط الاقتصادي؛ فهي الخط الأول في مواجهة تحديات تغير المناخ. من جهة، توفر المدن بيئة مثالية لتطوير حلول مبتكرة مثل الاستفادة من التكنولوجيا في التنبؤ بالكوارث. لكن من جهة أخرى، يمكن أن تتحول إلى مواضع للإخفاق في حال عدم اعتماد استراتيجيات متكاملة مختبرات الحلول وأحيانًا مواضع الإخفاق
في سنغافورة، على سبيل المثال، تم إنشاء أنظمة متقدمة للتنبؤ بالفيضانات، مما ساعد في حماية المدينة. وفي مدن أخرى، أدى غياب مثل هذه الأنظمة إلى خسائر ضخمة، كما هو الحال في نيو أورليانز التي عانت من كارثة إعصار كاترينا وسط استعداد ضعيف.
في النهاية تُعتبر إدارة المخاطر المالية في ظل تغير المناخ ضرورة ملحة وليست مجرد ترف أو خيار. فهي تتطلب خططاً طويلة الأمد، وتعاوناً فعالاً بين جميع الأطراف، بالإضافة إلى استخدام حكيم للتكنولوجيا والموارد المتاحة؛على الرغم من احتمالية الفشل في غياب الرؤية الواضحة أو في حالة الاستغلال السيء للموارد، إلا أن النجاح يصبح ممكناً من خلال الابتكارات المالية مثل السندات الخضراء، التأمين المناخي، وتسعير الكربون. تمتلك المدن، بكونها مراكز لتطوير الحلول وتنفيذها، القدرة على تحويل الكوارث إلى فرص حقيقية، شريطة أن تتبنى سياسات متكاملة توازن بين احتياجات الحاضر وضمانات المستقبل.إن الأمر لا يقتصر فقط على التغلب على التحديات؛ بل يتعداه إلى بناء مستقبل تكون فيه المدن أكثر مرونة وقدرة على مواجهة الأزمات القادمة.