تشهد المنطقة حاليًا تطورات سياسية وميدانية متسارعة تُمهّد لتشكيل خارطة سياسية جديدة، خصوصًا مع تراجع محور المقاومة وتقلّص النفوذ الإيراني نتيجة إضعاف أذرعه وتقليص قدراته بشكل غير مسبوق. في هذا السياق، تبرز احتمالات لوقف مؤقت للعمليات العسكرية في غزة، دون التوصل إلى إنهاء كامل للصراع، مع تراجع حماس عن شروطها السابقة، مما يعزز فرص إنجاح المباحثات.
على الجانب الآخر، يظهر تفوّق إسرائيلي واضح في قدراته القتالية رغم تعدد الجبهات والخسائر المادية والبشرية الكبيرة. هذا التفوق، والذي شمل وصول القوات الإسرائيلية إلى مناطق حساسة مثل جبل الشيخ ومحاولات التمدد في ريف دمشق، دفع دول الإقليم إلى إعادة النظر في استراتيجياتها وأولوياتها.
في ظل هذه التحولات، بدأت تتضح ملامح جديدة لدولة سورية ذات نظام سياسي مختلف عن نظام الأسد، مع دعم تركي لقيادات جديدة مثل أحمد الشرع. وقد شهدت المرحلة الأخيرة لقاءات بين الشرع ومسؤولين أمريكيين وغربيين وعرب، ما أسفر عن انطباعات إيجابية تُمهّد لقرارات تخدم مستقبل سوريا.
في هذا الإطار، جاءت زيارة وزير الخارجية الأردني إلى سوريا بهدف تعزيز التعاون مع القيادة السورية الجديدة، وفتح آفاق لعلاقات قائمة على حسن الجوار والمصالح المشتركة. وتأتي هذه الخطوة في ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة، التي تفرض على الأردن إعادة ترتيب أوراقه الوطنية لحماية أمنه الداخلي ومصالحه الاستراتيجية، خاصة مع تصاعد نفوذ اليمين الإسرائيلي المتطرف ومواقفه العدائية تجاه حل الدولتين، وزيادة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية.
إن إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية تتطلب من الأردن تعزيز دوره المحوري وحماية مكتسباته الوطنية. فالحدود الشمالية تُشكّل شريانًا اقتصاديًا حيويًا للأردن، وهناك قضايا ملحّة مثل أمن الحدود، مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة، وإنعاش سد الوحدة لدعم احتياجات الأردن المائية. كما أن تعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا ينسجم مع الرؤية الأردنية للتحديث الاقتصادي ويسهم في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني.
نحن على ثقة بالدبلوماسية الأردنية التي تواصل العمل لتحقيق المصالح الوطنية، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله، بما يخدم مسيرة الأردن التنموية ويحمي استقراره في ظل الظروف الإقليمية المتغيرة.