.. كنت مدعواً لزيارة الملك إلى الكرك، وشاهدت زيارته للسلط أيضاً...
التلفاز ركز على صور الناس التي حصلت على الأوسمة، وأنتج تقارير مهمة عن عملهم وخدمتهم لمجتمعاتهم، وركز على حديث الملك والسلام وقيامه بالحديث مع الحضور..
لكن الإعلام لم يعرض كثيرا صور الناس التي احتشدت في الخارج لاستقبال الملك والسلام عليه، سواء كانوا في السلط أو الكرك أو بقية المحافظات، مجرد ومضات صغيرة.. ولقطات مقتضبة فقط، وكم كنت أتمنى أن يجري الإعلام الرسمي لقاءات مع هؤلاء الناس.. لكنه للأسف لم يفعل في حين أن المواقع والمنصات ووسائل التواصل الاجتماعي التقطت مشهدهم أكثر وركزت عليه.
هؤلاء بالرغم من البرد والانتظار جاءوا بمحض إرادتهم، لم تجبرهم مؤسساتهم التي يعملون بها على الخروج لاستقبال الملك، والمدارس والجامعات التي خرج منها الطلبة، لم يكن فيها ضباط من الأمن يدونون أسماء الحضور والغياب... والنساء والصبايا اللواتي خرجن أيضا، لم يقم أحد بالدفع لهن.. في النهاية كان بإمكانهم أن يجلسوا في بيوتهم، ويراقبوا المشهد من الشاشات.. ولكنهم خرجوا لاستقبال الملك... الجميع خرج بمحض إرادته دون طلب أو تكليف أو إجبار.
وهؤلاء هتفوا للملك ولوحوا بأيديهم، وبعضهم قام بإعطاء ضباط الحرس بعضا من (المظلمات) المكتوبة، أو من طلبات المساعدة..
في دول عربية، الحشود لا تأتي بمحض إرادتها من أجل استقبال القادة، الحشود تدفع لذلك، لكنني عشت عهد الملك حسين وكنت صحفيا فيه وها أنا أعيش عهد الملك عبدالله وما زلت على رأس مهنتي ولم أشاهد مؤسسة أمنية أو رسمية أو خاصة تطلب من الناس الخروج لاستقبال الملك..
هذا الأمر يقودني لسؤال، أضعه على طاولة نواب جبهة العمل الإسلامي في البرلمان، والذين تحدثوا كثيرا عن القيم والفضائل والسجايا والأخلاق الإسلامية والمقاومة، ووجوب دعمها.. تحدثوا عن كل قضايا الدنيا، وأمطرونا بالدعوات للوطن وللأرض وللشعب...في حين أنهم لم يذكروا رمز الدولة وضميرها والمعبر عن وجدانها والضامن لسيادتها وسلمها الأهلي وهو جلالة الملك... للعلم أنا لا أتحدث في هذا المقال انتصارا للملك ولكن انتصارا لنفسي وانتصارا لقيم الولاء التي أحملها ولسجايا الإنتماء التي تعلمتها...
وسؤالي هنا، الناس التي خرجت في السلط والكرك والطفيلة وجرش.. هل هؤلاء خرجوا عبثا، أم خرجوا إيمانا برمز الدولة وتعبيرا عن ولائهم له؟ وهل الأمهات اللواتي رفعن أكفهن بالدعاء للملك وولي عهده فعلن ذلك بإكراه من جهة ما أم تعبيرا عن الحب؟... الخطاب السياسي في الأردن لا يفصل على مقاس حزب بل يفصل على مقاس الدستور ووجدان الناس، وما دام أن الملك هو رمز الدولة والأكثر شعبية، ما دام أنه هو ذاته من حمى (الإخوان المسلمين) من نيران الحظر والحل.. فهل يرد الجميل للملك وللوطن بهكذا خطابات؟..
أعرف أن القصة عبرت، ولكنها للأسف ما زالت مستمرة في أبجديات الخطاب الإسلامي، وهذا ما أسميه (بالقفز غير الموفق) وكما هو معروف في علوم الرياضة وقواعدها، القفزات التي يمارسها الرياضي وتخرج عن القواعد والأصول تؤدي إلى كسر القدم أو اليد أحيانا.
لقد تعلمنا ومنذ تأسيس الدولة أن نكون أعداء لكل من يعادي الملك، ونحب من يحبه.. تعلمنا في العرف العشائري والاجتماعي أن النظام السياسي ضرورة ملحة لخبز الناس للوئام بين فئات المجتمع، تعلمنا أن النظام السياسي الأردني.. هو مصدر التسامح، وهو مصدر الأخلاق الوطنية.. تعلمنا أيضا أن المساس به هو مساس بنا.. ولم نختلف يوما مع من اعترضوا على النهج وطريقة إدارة الدولة...لأنني في داخلي أؤمن أن الإختلاف مع النهج لا يفسد للود قضية، ولكن القفزات غير المحسوبة في الخطاب تفسد كل القضايا وتدمر الود نفسه.
لقد مر الربيع العربي، ومن يعتقدون أن الجوار يؤثر بنا، واهمون حتما.. لأن الجوار بكل المآسي التي تخرج منه، وضح للناس هنا في هذه البلد حقيقة التسامح التي يتحلى بها نظامنا السياسي، جعل الناس تدرك أنها تعيش في منظومة أمنية سلسلة لا تتعامل بالسحل ولا بالمكابس ولا بالدم وبالإخفاء.. الجوار وما يحدث فيه جعل الناس لا تلتصق بالنظام فقط بل تخاف عليه وتخاف على النموذج أيضا..
لهذا أظن أن الخروج عن أخلاقيات الخطاب السياسي الإجتماعية والوطنية والدستورية هو مساس مقصود بالمزاج والشعور العام، وأظن أن الدعاء للبلد ولجيشها ولشعبها ولحريتها.. لا يكتمل إن لم يتضمن الدعاء لحامي حريات الناس ولمن يصون سيادتها ولمن يعبر عن ضميرها ووجدانها...ولمن هو رمز للجيش وقائد للعسكر.
اجزم أن رسالتي وصلت، والأصل أن لايحملها كاتب مثلي على كاهله.. الأصل أن يتصدى لها نواب الأمة أنفسهم، ويعدلوا هذه القفزات، بحيث تحدد المسافة والإرتفاع.. ويمنع (الشطح)...
نهاية أقول: الملك رمز الدولة ووجدانها وضميرها.. وعدوه هو عدونا، وخياراته سندافع عنها.. ومن يحب الملك سنحبه ونحمله على أكفنا