مدار البساعة - كتبت: المهندسة نور أحمد اللوزي - في لقاءٍ مهيب جمع جلالة الملك عبدالله الثاني مع أهالي العاصمة عمّان، اختتم جلالته زياراته التي شملت كافة المحافظات الأردنية وبواديها ، حيث كانت رسالته التي حملت في طياتها التقدير والوفاء للأردنيين، أشبه بتوقيعٍ على مسار طويل من الإنجازات التي صنعتها يد هذا الشعب الصامد. ولعلّ الكلمات التي نطق بها جلالته في قصر رغدان كانت تجسيداً حقيقياً لمعاني الوحدة والوفاء، ولطالما كان العهد مع الأردنيين عنواناً لمسيرته الملكية، فما قاله جلالته عن عمّان وعن الأردن عموماً هو أبعد من مجرد خطاب ملكي، إنه دعوة للتلاحم وتعميق الروابط بين الأفراد والمجتمع، وبين الدولة والأرض.
لا يمكن إلا أن نبدأ بالإشارة إلى كلمات جلالة الملك التي خصّ بها العاصمة عمّان، قائلاً: "عمان لها مكانة في قلوب الأردنيين جميعاً، تجمع التاريخ والعراقة والحداثة، وهي رمز للسلام والمحبة، وواحدة من العواصم الكبرى." هذه الكلمات، التي جاءت كإشادةٍ غير مسبوقة بالعاصمة، ليست مجرد تعريفٍ جغرافي للمكان، بل هي اعتراف عميق بأهمية عمّان كرمز للوحدة الوطنية. عمان ليست مجرد عاصمةٍ سياسية، بل هي تمثل نبض الأردن، حيث يتلاقى فيها مختلف أطياف الشعب الأردني وتتناغم فيها ألوان الثقافة، مما يعكس تنوع المجتمع الأردني ويعزز التعايش السلمي بين مكوناته المختلفة. فقد أراد جلالة الملك من خلال هذه الكلمات أن يُثبت أن عمّان هي أكثر من مجرد مدينة؛ إنها مركز تاريخي وثقافي يعتز به كل أردني، وتظل محط الأنظار من جميع أنحاء العالم.
وإذا كان هناك ما يميز خطاب جلالة الملك، فهو التأكيد على أن الإنجاز لم يكن محصوراً في "العرش" بل هو حصيلة جهد جماعي من جميع أبناء الأردن. حيث قال جلالته: "خلال 25 عاماً كان تطوير الأردن والبناء على الإنجاز وخدمة أبناء وبنات الشعب الأردني الوفي أولويتي، وأنا على العهد معكم دائماً." من خلال هذه العبارة، أوضح الملك أن الإنجازات التي تحققت لم تكن مجرد معركة فردية بل نتيجة لتضافر جهود الأردنيين كافة في مختلف ميادين الحياة. جلالته يعترف بفضل الشعب الأردني في بناء الوطن، في صناعة تلك التغييرات التي وضعت الأردن في مقدمة الدول التي تتمتع بالاستقرار والتنمية.
ومن خلال هذا التقدير، نجد أن جلالة الملك قد أعطى قيمة حقيقية للعمل الجماعي، متجاوزاً الشخصيات والمؤسسات ليشيد بالجهود الفردية والجماعية لكل مواطن أردني، صغيراً كان أو كبيراً، وهو بذلك يرسخ في النفوس أن التقدم لا يتحقق إلا بوحدة الجميع، من شمال المملكة إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها. تلك الوحدة التي كانت ولا تزال سمة الأردن المميزة، وهي التي جعلت من المملكة نموذجاً يحتذى به في المنطقة.
أمّا أبرز ما جاء في خطاب جلالته هو التأكيد على علاقة القرب والتلاحم بين القيادة والشعب. ففي حديثه عن زيارته لكل المحافظات، لفت جلالة الملك إلى أن كل منطقة في الأردن "لها مكانة خاصة" لديه، مؤكداً على حقيقة أن حب الوطن يجمع الأردنيين مهما تباعدت أماكنهم. وقد أشار جلالته إلى أن "حب الأردن دائماً يجمعنا"، وهو ما يبعث برسالة قوية مفادها أن الوطن أكبر من الجميع، وأننا جميعاً شركاء في هذا الوطن العظيم، في بناء مستقبله وحمايته من أي تهديدات.
وفي الختام، اختتم جلالته خطابه بتأكيد عزيمته على أن "الأردن بخير، وبهمتكم سيبقى بخير." هذه العبارة تحمل في طياتها أبعاداً عميقة من التفاؤل واليقين. جلالة الملك يضع ثقة كبيرة في الشعب الأردني، ويؤمن أن المستقبل سيكون أكثر إشراقاً، طالما أن الأردنيين بقيوا على العهد، متحدين في حب الوطن وإرادة البناء. هي دعوة لتأكيد أن النهضة الأردنية لا تعتمد على القيادة وحدها، بل هي نتيجة تضافر كل الجهود من المواطنين والمؤسسات، وأن العهد الذي جمع الملك بشعبه سيظل راسخاً مهما مر الزمن.
لا يمكننا القول اليوم إلّا إن خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني كان أكثر من مجرد حديثٍ ملكي، بل كان رسالة وطنية تعكس التزامه العميق بالوطن والشعب. إنه تأكيد على أن عمان ليست فقط عاصمة الأردن، بل هي رمز للوحدة والانتماء، كما أن الأردن بكل مناطقه هو وطنٌ واحد، شامخٌ بعزم أبنائه، ثابتٌ على العهد الذي جمعهم منذ البداية، ونؤكد بأننا سنبقى على العهد يا سيّد البلاد ما حيينا.