أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

ربابعة يكتب: أسس العدالة الانتقالية وبناء مستقبل جديد لسوريا


المحامي عاصم ربابعة

ربابعة يكتب: أسس العدالة الانتقالية وبناء مستقبل جديد لسوريا

مدار الساعة (الرأي ) ـ
الدور الأردني في سوريا سيساهم في ضمان أمن واستقرار المنطقة، لأن تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا هو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار في المنطقة
عاشت سوريا أكثر من عقد من الحرب والدمار ما أدى إلى انهيار البنية التحتية للدولة وتشرد الملايين من أبنائها في أصقاع الأرض، وتعمقت جراح الشعب السوري في دوامة من الألم والمعاناة.
ومع سقوط النظام الديكتاتوري لبشار الأسد الذي لم يتمكن من الحفاظ على البنية التحتية للدولة وكان سببا في انهيارها وفي معاناة الشعب السوري، يقف السوريون أمام تحدٍ مصيري لإعادة بناء وطنهم، وتحقيق العدالة والمصالحة لتضميد جراح الماضي وصنع مستقبل مشرق، ولتحقيق هذه الأهداف لا بد من عملية انتقالية تضمن العدالة لجميع فئات ومكونات المجتمع السوري، فالعدالة الانتقالية الآن من أهم العناصر لبناء مستقبل مستدام في سوريا، وهي عملية شاملة تهدف إلى معالجة إرث الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وبناء مجتمع أكثر عدلاً ومساواة.
ونظرا للاهمية الخاصة التي تكتسبها قضية العدالة الانتقالية في تحقيق الاستقرارلسوريا كبلد مجاور للأردن، ونعرض في هذا المقال رؤية حقوقيه لمرتكزات العدالة الانتقاليه.
العدالة الانتقالية كوسيلة وضمانة لتحقيق الانتقال السياسي الشامل
لا تعد العدالة الانتقالية بذاتها هدفاً بل هي وسيلة من أجل تحقيق جملة من المسائل التي لا يمكن التغاضي عنها، وذلك لضمان عملية انتقالية على أسس إقامة العدل والشفافية والحاكمية الرشيدة مبني على أسس العدالة والمساواة وجبر الضرر، ومن هذه المسائل التي ينبغي تحقيقها:
أولاً: كشف الحقيقة وتوثيق الانتهاكات التي تستوجب البدء بانشاء آلية وطنية مستقلة لتوثيق جميع الانتهاكات التي ارتكبتها جميع الأطراف في النزاع، بما في ذلك الانتهاكات الجنسية والعنف ضد المرأة والأطفال، وإشراك الضحايا بمنحهم فرصة كاملة لسرد قصصهم والتعبير عن معاناتهم، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم، إضافة إلى إنشاء أرشيف وطني شامل لتوثيق الانتهاكات، ليكون مرجعًا للمحاسبة والعدالة في المستقبل.
ثانياً: إنشاء آليات وطنية لمحاكمة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم الجسيمة بحق السوريين، بمن فيهم قادة النظام السابق والجماعات المسلحة، إلى المحاكم الوطنية و/ أو الدولية، وهو امر يستوجب إنشاء آلية قضائية مستقلة، إما من خلال تأسيس محاكم خاصة أو مختلطة للتحقيق في الجرائم الكبرى وفقا لمعايير النزاهة والشفافية والاستقلالية، مع كفالة ضمانات المحكمات العادل، كما يتوجب أيضا إصلاح القضاء من خلال إعادة هيكلة النظام القضائي ليصبح مستقلًا وقادرًا على تحقيق العدالة.
ثالثاً: جبر الضرر وتعويض الضحايا من خلال تقديم تعويضات مادية للضحايا وأسرهم لتخفيف الأعباء الناتجة عن الانتهاكات، وإعداد برامج إعادة التأهيل، وتوفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي وبرامج التدريب المهني لتمكين الضحايا من استعادة حياتهم الطبيعية.
رابعاً: الإصلاح المؤسسي من خلال صياغة دستور جديد للبلاد يعكس القيم الديمقراطية ويضمن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع المواطنين، وإصلاح القوانين بما يضمن توافقها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وإعادة بناء المؤسسات من خلال تعزيز الشفافية والنزاهة في المؤسسات الحكومية والأمنية لمنع تكرار الانتهاكات.
خامساً: البدء في عملية المصالحة الوطنية من خلال إطلاق حوار وطني شامل، يجمع كل الأطراف لبناء توافق حول مستقبل البلاد وإعادة الثقة بين مكونات المجتمع، بما في ذلك النساء والشباب، في تصميم وتنفيذ برامج العدالة الانتقالية، بالإضافة إلى إطلاق برامج للمصالحة المجتمعية لإعادة بناء العلاقات المجتمعية وتعزيز التفاهم بين الضحايا والجناة، وأيضاً إلى دعم المجتمع المدني ليلعب دورًا أساسيًا في جهود المصالحة والتوعية بالحقوق والواجبات وفي تنفيذ حملات توعية لتعريف السوريين بأسس العدالة الانتقالية وأهميتها في بناء مستقبل مشترك.
خصوصية العدالة الانتقالية في سوريا وتعقيداتها
تظهر في القراءات الأولى للمشهد العام في سوريا بعد سقوط النظام العديد من الأسئلة التي تحيط بالمشهد، وقد وصف بشكل عام أنه مشهد معقد وليس من السهل التعامل معه حالياً بانتظار مؤشرات على إمكانية البدء بعملية انتقالية شاملة، فالوضع على الأرض ليس مستقراً لكنه قائم على الاستقرار، وهذا ما ندعو به ونتمناه لضمان أمن سوريا والسلم المجتمعي وإنشاء مؤسسة قوية لإدارة العملية الانتقالية في البلاد.
ينبغي الإشارة هنا إلى أن تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا قد يستغرق أمداً طويلاً بسبب تعقيدات الوضع العام، وهذا الأمر يتطلب تضافر جهود المجتمع الدولي والحكومة السورية والأطراف المعنية، ويجب أن يتم التعامل مع هذه القضية بجدية وحكمة، وذلك لضمان تحقيق السلام والاستقرار في سوريا، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجبة ومعالجتها والتي يمكن تشخصيها بما يلي:
1. الانقسامات الطائفية، فقد عمقت الحرب الانقسامات بين مكونات الشعب السوري، مما يزيد من صعوبة التوصل إلى توافق وطني حول آليات المصالحة والعدالة.
2. تعقيد الصراع وتعدد الجناة فقد اشتمل الصراع السوري على العديد من الأطراف المتصارعة، سواء كانت حكومية أو معارضة أو فصائل مسلحة أو قوى إقليمية ودولية، مما يجعل تحديد المسؤولية عن الانتهاكات المرتكبة أمراً صعباً.
3. الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها سوريا على نطاق واسع، بما في ذلك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، والتعذيب المنهجي، مما يتطلب آليات معقدة لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
4. الوضع الإنساني الكارثي حيث تستمر معاناة الشعب السوري من أزمة إنسانية حادة، مما يشكل تحدياً كبيراً لتخصيص الموارد اللازمة لعملية العدالة الانتقالية.
5. النزوح والتشريد فقد تسبب الصراع السوري في نزوح وتشريد ملايين السوريين داخل البلاد وخارجها، مما يجعل من الصعب جمع الأدلة وتوثيق الشهادات.
6. التحديات الاقتصادية: الاقتصاد المدمر في سوريا يُعقّد تنفيذ برامج العدالة الانتقالية بسبب نقص الموارد المالية.
7. نقص الموارد والخبرات، حيث تفتقر سوريا إلى الخبرات البشرية والمالية لإطلاق برامج عدالة انتقالية شاملة وفعالة.
دور الأردن في مسار العدالة الانتقالية لسوريا
ومما لاشك فيه أن الدور الأردني سيساهم في ضمان أمن واستقرار المنطقة، لأن تحقيق العدالة الانتقالية في سوريا هو شرط أساسي لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وسيؤدي إلى تقليل تدفق اللاجئين وتخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على الدول المستضيفة بما في ذلك الأردن، ومن خلال قيادته لهذا الجهد، سيعزز الأردن مكانته كقوة إقليمية مؤثرة، وستزداد قدرته على التأثير في صياغة الحلول السياسية للأزمات الإقليمية ودعم العدالة الانتقالية وهو تعبير عن التزام الأردن بالقيم الإنسانية وحقوق الإنسان.
وباعتبارها دولة جارة تتشارك مع سوريا حدودًا طويلة وتاريخًا من التفاعل الثقافي والاجتماعي، يمكن للأردن أن يلعب دورًا محوريًا في دعم مسار العدالة الانتقالية في سوريا من خلال عدة محاور نعرضها في هذا المقال كمقترح على النحو التالي:
1. توفير منصات للحوار من خلال تسخير إمكانياته اللوجستية والدبلوماسية يمكن للأردن استضافة مؤتمرات ومنتديات تجمع الأطراف السورية المختلفة لتعزيز الحوار الوطني والمصالحة.
2. تقديم الدعم الفني والقانوني من خلال الاستفادة من الخبرات الأردنية في مجالات القضاء وحقوق الإنسان لدعم إنشاء آليات العدالة الانتقالية في سوريا، كما يمكن للأردن أن يدعم تطوير التشريعات اللازمة لإنشاء آليات العدالة الانتقالية، بما في ذلك قوانين العفو وتسوية الممتلكات.
3. العمل مع المجتمع الدولي لحشد الدعم المالي والفني اللازم لتنفيذ برامج العدالة الانتقالية وبناء المؤسسات في سوريا.
4. تعزيز برامج الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين السوريين في الأردن كجزء من جبر الضرر وبناء الثقة، لإعادة دمج اللاجئين في المجتمع السوري المستقبلي، وبناء قدراتهم على المشاركة في عملية إعادة البناء.
أخيراً لا بد من القول أن العدالة الانتقالية ليست مجرد محاسبة للماضي، بل هي جسر لبناء مستقبل مشرق لسوريا، ويمكن للسوريين تجاوز إرث النزاع وإرساء أسس مجتمع عادل وديمقراطي، ومع أنها رحلة لا شك طويلة، إلا أننا كلنا ثقة وآمال بأن الشعب السوري يمتلك الإرادة الجماعية، وينبغي توجيه الدعم الدولي لتحقيق العدالة والسلام الذي يستحقه الشعب السوري.
العدالة الانتقالية ليست مجرد عملية قانونية فحسب، بل هي استثمار في المستقبل وشرط أساسي لتحقيق الاستقرار والتنمية في سوريا، وضمان عدم تكرار المآسي التي شهدتها، وهي لبنة من لبنات بناء سوريا الجديدة التي تستحقها الأجيال القادمة.
مدار الساعة (الرأي ) ـ