في خطوة غير مسبوقة، أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على إلغاء المكافأة المخصصة للقبض على أحمد الشرع، في إشعار دبلوماسي يحمل رسائل متعددة. كما لوحت بإمكانية رفع العقوبات عن سوريا إذا أظهرت الحكومة الجديدة تقدمًا ملموسًا في قضايا حقوق الإنسان والمساواة. هذه الخطوة، التي تبدو للوهلة الأولى تحولًا بسيطًا في السياسة الأمريكية، تحمل في طياتها أبعادًا استراتيجية عميقة تعكس رغبة واشنطن في إعادة تقييم علاقتها بدمشق. ومع التصريح بأن رفع العقوبات قد يصبح خيارًا متاحًا، إذا تم إظهار جدية في الإصلاحات، تثار تساؤلات حقيقية: هل نحن أمام تحول استراتيجي في الموقف الأمريكي؟ أم أن هذه المناورة هي مجرد استجابة ظرفية لضرورات المرحلة؟
ليس من المعتاد أن تصف الخارجية الأمريكية شخصية سياسية سورية بأنها "براغماتية وتؤمن بحقوق الإنسان والمساواة". هذا الوصف، على الرغم من إيجابيته، قد يكون محمّلًا برسائل ضمنية تتعلق بالرهانات الأمريكية في المنطقة. ففي ظل التعقيدات التي تحيط بالمشهد السوري، يبدو أن البراغماتية التي يتمتع بها الشرع تشكل عاملًا رئيسيًا في نظر واشنطن، لكن السؤال يبقى: هل تكفي البراغماتية وحدها لتجاوز التحديات الجسيمة التي تواجه سوريا؟
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن البراغماتية قد تكون سيفًا ذا حدين. فمن ناحية، هي أداة فعالة للتعامل مع تعقيدات السياسة الدولية. ومن ناحية أخرى، قد تُفسر محليًا كتنازل عن المبادئ التي يتطلع إليها السوريون، لا سيما أولئك الذين دفعوا ثمنًا باهظًا لتحقيق مطالبهم.
لا يمكن قراءة قرار إلغاء المكافأة بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي الراهن. إذ إن الولايات المتحدة، التي لطالما استخدمت العقوبات والضغط كأدوات رئيسية في تعاملها مع الملف السوري، تبدو اليوم أكثر ميلًا لاعتماد أساليب جديدة تستند إلى الحوار وإعادة تشكيل العلاقات. ولكن، هل يعني ذلك أن واشنطن بصدد تغيير نهجها بالكامل؟ أم أنها مجرد محاولة لكسب الوقت وإعادة ترتيب الأوراق؟
من جهة أخرى، يمكن النظر إلى هذا القرار على أنه رسالة مزدوجة: الأولى موجهة للنظام السوري تفيد بأن الانفتاح ممكن إذا أُظهرت جدية في الاستجابة للمطالب الدولية. والثانية موجهة لحلفاء واشنطن في المنطقة، مفادها أن التغيير لا يزال خيارًا مطروحًا ولكن بشروط جديدة.
على الصعيد الداخلي، تواجه سوريا تحديات تفوق الوصف، من انهيار اقتصادي إلى انقسامات اجتماعية حادة. وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن الحديث عن التغيير السياسي، على أهميته، يظل مرتبطًا بتحسين الظروف المعيشية اليومية للسوريين.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن أي خطوة نحو الانفتاح أو التغيير، سواء كانت على يد الشرع أو غيره، ستصطدم بحاجز الثقة المهزوزة بين الشعب والنظام. فالسنوات الماضية تركت أثرًا عميقًا على وعي السوريين، الذين أصبحوا ينظرون بحذر لأي حديث عن إصلاحات قد تكون بعيدة عن تلبية تطلعاتهم الحقيقية.
وهنا تبرز معضلة الشرعية: كيف يمكن للشرع أن يحقق توازنًا بين متطلبات الداخل المُلِحّة وضغوط الخارج المستمرة؟ تحقيق هذا التوازن يتطلب رؤية سياسية متكاملة تأخذ في الحسبان تعقيدات الواقع السوري وتطلعات الشعب في آنٍ معًا.
علاوة على ذلك، فإن الشرع، إذا أراد أن يكون رمزًا للمرحلة المقبلة، لا بد أن يقدم مشروعًا سياسيًا يتجاوز البراغماتية ليصل إلى صياغة شاملة لرؤية مستقبلية تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة بناء الدولة على أسس جديدة.
في نهاية المطاف، يبقى السؤال قائمًا: هل يمكن لأحمد الشرع أن يجسد التغيير الذي ينتظره السوريون؟ أم أن ما يحدث ليس سوى إعادة إنتاج لنهج سياسي قديم بوجوه جديدة؟
بين الرهانات الدولية والآمال الشعبية، يظل مستقبل سوريا معلقًا على قدرة قيادتها الجديدة على اجتياز اختبار الثقة وبناء مستقبل يعكس طموحات الجميع.