بقلم: عاكف الجلاد
العدل والمساواة قيم هامة جداً في أي مجتمع إنساني، ومتى ما انتشرت هذه القيم زاد العطاء وزاد الولاء والإنتماء ، وإذا غابت شاع الفساد والفوضى ، وانتشر الظلم وضعف الأداء ، وتراجع العطاء وقل الإنتاج وزادت الطبقية .
وهذا واقع ملموس نراه متمثل بفوضى الرواتب الخيالية ، والمكافآت الضخمة ، والتعيينات في المؤسسات والشركات لكبار المسؤولين وأقاربهم ، والتي أثارت وتثير الغضب والسخط الشعبي ، والنقمة عليهم وعلى فسادهم ، وعلى المال الأسود الذي يستقر في جيوبهم الذي هو مالنا أصلاً.
نسمع بين الفترة والأخرى أن بعض أبناء "الداية" المحظوظين من المسؤولين وأقاربهم قد يصل راتب الواحد منهم الى رقم فلكي حوالي 5000 دينار ، وبعضهم من المحظوظين جداً قد يتجاوز ذلك الرقم ليصل إلى 20،000 دينار شهرياً وربما اكثر .
يقابل ذلك تفاوت واضح وكبير للرواتب المتدنية والمحدودة جداً لأعداد كبيرة من موظفي الحكومة والمتقاعدين وعمال المياومة ، والتي تتراوح ما بين (200 ـــ500 ) دينار شهرياً ، وقد يصل للفئات العليا الى 900 _1500 دينار أو أكثر قليلاً بعد خدمة طويلة جداً تصل لعشرات السنين ، مع تآكلها بسبب الغلاء المسعور ومتطلبات الحياة الفاحشة والصعبة .
أعتقد جازماً بأن تلك الرواتب لم تخضع لأية دراسات ، ولا حسب طبيعة العمل ، ولا المؤهل العلمي ولا الخبرات الوظيفية ، وما أكثر المسميات الوظيفية وتعديل الرواتب التي تكون حسب المزاج وقوة الواسطة .
تلك الأرقام الخيالية والفلكية التي نسمعها ونقرأها ، تُظهر الفروق الشاسعة بين رواتب العاملين في الحكومة ممن تم تعيينهم على نظام الخدمة المدنية ، وبين من تم تعيينهم على نظام العقود وشراء الخدمات بالواسطة والمحسوبية ، كذلك الفروق ما بين رواتب الموظفين القدامى ورواتب الموظفين الجدد ، والتي لا تتناسب مع مدة الخدمة ولا المؤهل العلمي .
والسؤال هو ماذا يقدم هؤلاء من عمل ومشاريع ليحصلوا على تلك الرواتب الخيالية ، عدا عن المكافآت والسفريات وغيرها ، وهل ما يقدموه يستحق تلك الأرقام ، وهل ما يقدموه لا يستطيع أحد غيرهم تقديمه، أم على راسهم ريشة، أم ماذا؟
كل ذلك سيؤدي إلى وجود موظف حكومي فقير يلهث وراء لقمة العيش ، وبالمقابل موظف حكومي محظوظ متنعم مرفه من ذوي الرواتب العالية ، ومتقاعد مُعدم لا يجد ما يسد رمقه .
فقدان العدالة والمساواة حتماً ستؤدي بنا إلى مهالك كثيرة ، منها على سبيل المثال لا الحصر الدخول بالفوضى والعبث بالمال العام للدولة ، وإنعدام الأمان الوظيفي ، والقلق والإحباط والإكتئاب والضغط النفسي الشديد وعدم التركيز ، وإنعدام الإنتماء للمؤسسة، وانتشار البيروقراطية، وضعف الأداء وتراجع العطاء وزيادة الطبقية ، والتي بنهاية المطاف سترسلنا إلى طريق إنتشار الظلم والفساد والرشوة والسرقة والفساد الإداري والأخلاقي ، وإنهيار المؤسسات بالنهاية .
وحتى لا نقع بالمحظور وتماشياً مع توجيهات جلالة الملك وتنفيذها، فعلى الحكومة ومجلس الأمة والجهات الرقابية العمل وبكل جدية على الإصلاح والتغيير، وكسر ظهر الفساد، وقتل الواسطة والمحسوبية ، وتنظيم فوضى الرواتب الخيالية وإنصاف المظلومين؟