تلقي الأزمات السياسية والأمنية التي تجتاح دول المنطقة بظلال تحدياتها الصعبة والخطيرة على دول المنطقة والعالم بينما يبقى الأردن نموذجًا فريدًا في الحفاظ على استقراره الداخلي، مستندًا إلى عوامل راسخة من التماسك الشعبي، والحنكة السياسية التي تتمتع بها قيادتنا الهاشمية، والتاريخ الطويل والمتراكم في اجتياز منعطفات عديدة ومختلفة، هذا التماسك الذي أثبت فعاليته عبر عقود يمثل اليوم ضمانة أساسية لبقاء الأردن قويًا في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية على اختلاف اشكالها وأسبابها.
الواقع الاقليمي: بيئة مضطربة وصراعات متفاقمة
وفي نظرة تحليلية على البيئة المحيطة، نجد أن دول الجوار تعاني من أزمات عميقة. سوريا لا تزال ترزح تحت آثار الحرب الأهلية الممتدة وما تبعه من تداعيات لسقوط نظام بشار الاسد مع تداعيات إنسانية وأمنية معقدة. غزة تواجه عدوانًا مستمرًا واحتلالًا يخلف أزمات إنسانية متفاقمة، فيما العراق يكافح لإعادة بناء دولة قوية وسط تحديات سياسية وأمنية طاحنة. هذا الواقع يجعل من استقرار الأردن حالة استثنائية في منطقة تغلي بالأزمات، ولعل هذا الواقع يذكرني بما اشار اليه امين عام جامعة الدول العربية السابق عمرو موسى عندما قال أن الأردن " حديقة محاطة في حريقة "
لكن الحفاظ على هذا الاستقرار لم يكن محض صدفة. بل جاء نتيجة لاستراتيجية متكاملة، تعتمد على قوة الجبهة الداخلية، وتعزيز قيم الوحدة الوطنية، وممارسة القيادة الأردنية لدورها بحكمة وواقعية.
الجبهة الداخلية: ركيزة الاستقرار الأردني
الجبهة الداخلية في الأردن هي نموذج فريد للتلاحم بين الشعب والقيادة، وبين مختلف مكونات المجتمع. وقد استطاعت القيادة الهاشمية، على مر السنين، أن تعزز هذا التماسك من خلال سياسات توازن بين تلبية احتياجات الشعب وتحديات المرحلة، وفي مثال بالغ القوة على شدة التلاحم والتماسك بين ابناء الشعب الأردني الواحد أذكر وفي زيارة بطريرك القدس الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا قبيل شهر إلى عشيرة المجالي في مدينة القصر فقد رفض ابناء العشيرة مصطلح "التعايش" بين المسلمين والمسيحيين واكدوا بوضوح اننا اخوة و وحدة واحدة بينما التعايش يكون بين اجسامٍ غريبة.
القيادة الهاشمية: قراءة واعية للتحديات
منذ توليه العرش، أظهر جلالة الملك عبد الله الثاني قدرة فريدة على قراءة المشهدين المحلي والإقليمي بواقعية ووضوح. فالخطابات الملكية لطالما ركزت على أهمية الوحدة الداخلية كشرط أساسي لمواجهة التحديات الخارجية. ومن خلال إطلاق مبادرات إصلاحية، وتعزيز الحريات العامة، وفتح قنوات الحوار بين القيادة والمواطنين، استطاع الملك أن يبني جسور ثقة قوية بينه وبين الشعب.
التماسك الاجتماعي: مجتمع متكاتف أمام الأزمات
الشعب الأردني، بمختلف مكوناته، يتميز بقدرته على الالتفاف حول أولويات الدولة في أوقات الأزمات. فرغم التحديات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية، يظل الوعي الجمعي قائمًا على مبدأ “الأمن الوطني فوق كل اعتبار”. وقد تجلى ذلك في مواقف عديدة، كان أبرزها احتضان اللاجئين السوريين والفلسطينيين على الرغم من محدودية الموارد، مما يعكس عمق التضامن المجتمعي.
المؤسسات الأمنية والعسكرية: خط الدفاع الأول
لا يمكن الحديث عن تماسك الجبهة الداخلية دون الإشارة إلى الدور المحوري الذي تلعبه القوات المسلحة والأجهزة الأمنية. فهذه المؤسسات، التي تحظى بثقة مطلقة من قبل الشعب، تمثل العمود الفقري لاستقرار الأردن، ليس فقط من الناحية الأمنية، بل أيضًا من خلال دورها في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
التحديات القائمة: كيف نواجه المستقبل؟
رغم صلابة الجبهة الداخلية، لا يخلو الوضع من تحديات تحتاج إلى إدارة حذرة وواعية:
1. التحديات الاقتصادية:
الضغوط الاقتصادية الناتجة عن الأزمات الإقليمية وأعباء اللجوء تتطلب حلولًا مبتكرة. وهنا يأتي دور الدولة في تعزيز الإنتاجية، واستقطاب الاستثمارات، وتطوير البنية التحتية لدعم الاقتصاد المحلي.
2. المخاطر الأمنية:
مع تزايد التهديدات الإرهابية وتمدّد الأزمات الإقليمية، يتطلب الحفاظ على الأمن الوطني تعزيز التنسيق الإقليمي والدولي، والاستمرار في دعم المؤسسات الأمنية بموارد حديثة وخطط استراتيجية مدروسة.
3. التحديات الاجتماعية والسياسية:
التحولات السياسية والاجتماعية تتطلب تعزيز الحوار الوطني كأداة لتقريب وجهات النظر، خاصة في ظل الحاجة إلى تحديث منظومة التشريعات السياسية بما يواكب تطلعات الشعب الأردني.
استقرار مستدام بوحدة داخلية قوية
تماسك الجبهة الداخلية في الأردن ليس مجرد شعار، بل هو واقع ملموس تحقق بفضل رؤية القيادة وإرادة الشعب. في إقليم مضطرب، يبقى الأردن ثابتًا، ليس فقط بفضل جغرافيته السياسية، ولكن بفضل قيمه الراسخة في التعايش والوحدة.
إن تعزيز هذا التماسك يتطلب منا جميعًا، كقيادة ومواطنين، إدراك أن التحديات المقبلة ستكون أصعب. لكن بروح الوحدة والإيمان الراسخ بوطننا، نستطيع أن نضمن مستقبلًا آمنًا ومستقرًا للأردن، ليبقى كما عهدناه دائمًا حصنًا منيعًا عصياً على النائبات.