مدار الساعة - عامر ابو الرب - مع انهيار الحكومة المركزية وغياب أي سلطة انتقالية؛ تعيش سوريا فراغًا سياسيًا يزيد من تعقيد المشهد، بعد أن تلاشى نظام الأسد بطريقة فاجأت الجميع ، انتهى حكم بشار الأسد بسقوط نظامه وهروبه إلى روسيا، تاركًا سوريا في حالة من الفوضى غير المسبوقة. التنظيمات المسلحة، ذات النزعة الإسلامية المتطرفة، سيطرت على العاصمة دمشق دون مقاومة تُذكر، ما فتح الباب لمرحلة جديدة من المجهول
وفور سقوط النظام سيطر تنظيم "هيئة تحرير الشام" وإلى جانب الهيئة هناك العشرات من التنظيمات المتطرفة المتحالفة معها باتت تبسط سيطرتها على نحو 70% من سوريا.
فرحة السوريين:
عًمّت الفرحة معظم السوريين وامتلأت الميادين بالمحتفلين، وكشفت السجون عن مآسي ومغذيين، لكن حالة الفوضى تسبّب بأطلاق كل المسجونين بمن فيهم المتهمين والمدانيين بقضايا جنائية.
كلنا أمل أن تمضي سوريا الشقيقة والحبيبة الى مستقبل افضل بعد سنوات الحروب والدمار واستقرار سوريا سيكون له انعكاس إيجابي على الأردن وكل المنطقة، لكن عدم استقرارها وهو أمر يرجحه كثيرون بسبب انتشار السلاح وسيطرة فصائل معظمها من المتطرفين؛ سيكون له أثر بالغ على أمن الأردن
تهديد وحدة التراب السوري
سيكون الشعب السوري الخاسر الأكبر من الفوضى في حال تمددت التنظيمات المسلحة ورفضت فتح المجال للقوى المدنية لإطلاق مرحلة انتقالية واعادة مؤسسات الدولة
لكن مع سيطرة المسلحين المتطرفين ظهرت العديد من مشاهد الانتهاكات وأعمال الانتقام والاعدامات الميدانية وصلت إلى نبش القبوة وإحراقها، وسط مخاوف من الأقليات الطائفية.
مخاوف دفعت بعضها إلى اللامعقول، حيث ظهر أعيان الدروز المنتشرين في مناطق ومحافظات الشمال ليطالبوا إسرائيل بضم مناطقهم وقالوا إنهم يريدون العيش كمواطنين إسرائيليين، مع كل ما يحمله ذلك من تهديدات غير مسبوقة لدول وشعوب المنطقة، يهدد يتمزيق القُطر السوري ويفتح شهية تل ابيب التي كانت بالفعل قد دخلت واحتلت محافظة القنيطرة ومواقع عسكرية محورية بينها جبل الشيخ الذي يوصف بأنه أهم نقطة عسكرية حاكمة في بين سوريا والأردن ولبنان وإسرائيل.
غير خافٍ أن دولا مثل تركيا مولت وسلحت التنظيمات التي سيطرت على دمشق، وكانت أول دولة ترسل مسؤولين لمقابلة الجولاني الذي جاب شوارع دمشق بصحبة مدير مخابرات تركيا، وهو ما يعني أن خروج إيران من الهيمنة على سوريا بسقوط الأسد استبدل بهيمنة تركية.
مرحلة جديدة من الانتهاكات
صدم العالم من مشاهد الإعدامات الميدانية وإحراق ونبش القبور وسط تهديدات مستمرة بملاحقة منتسبي وأركان نظام الاسد والأجهزة العسكرية والأمنية السورية، فيما فر الالاف من الطائفة الشيعية إلى دول الجوار وسط مخاوف جدية من استهداف مجموعات طائفية محددة بأعمال عنف دفعت الآلاف من العائلات العلوية إلى النزوح، بينما يواجه اللاجئون عقبات كبيرة على الحدود اللبنانية، مما ينذر بأزمة إنسانية تتخطى حدود سوريا، وشهدت دمشق ومدن كحمص وحلب إعدامات ميدانية طالت مسؤولين وضباطا سابقين، إلى جانب نهب مؤسسات الدولة، أبرزها البنك المركزي في دمشق.
مع تصاعد الفوضى في سوريا، تزداد المخاوف من تداعياتها على الأمن الأردني والمنطقة ككل، في كل اتجاه بداية من مخاطر وتداعيات تقسيم سوريا واحتلال أراضيها سواء من إسرائيل أو تركيا اللتين بالفعل باتتا تحتلان أجزاءً من سوريا، كما تخشى عمّان حدوث موجة نزوح جديدة إلى أراضيها قد تفاقم الأزمة الاقتصادية ما يزيد الضغط عليها ودول المنطقة، كما أن سيطرة تنظيمات متطرفة مثل هيئة تحرير الشام، المصنفة إرهابية، تثير مخاوف من تمدد الإرهاب إلى دول الجوار، خاصة مع ظهور رايات تنظيم "داعش" في دمشق ومناطق سورية، حيث الفوضى تمثل دائما بيئة خصبة لنمو التنظيمات الإرهابية، العابرة للحدود، مما يمثل تهديدًا مباشرًا لأمن المنطقة ككل.
انتشار التطرف والإرهاب
هيئة تحرير الشام، الفصيل الأكبر المسيطر، أثبتت تاريخيًا نزعتها المتشددة، مما يثير قلق المجتمع الدولي من تحول سوريا إلى نقطة انطلاق جديدة للإرهاب، وظهور مسلحين يرفعون رايات "داعش" في شوارع دمشق يعيد إلى الأذهان سيناريو الموصل عام 2014، حيث أدى انفلات الأوضاع إلى كارثة إنسانية وأمنية ما زالت آثارها قائمة، وتبدو سوريا الحالية مهيأة بشكل أكبر لانتشار التطرف وتوجه المتشددين إليها من مختلف أنحاء العالم
الدور العربي والأردني
فور الاستيعاب ما حدث سارع الأردن لدعوة الدول العربية والدول الكبري بعقد اجتماع طارىء في العقبة، وخرج وزراء الخارجية المجتمعون برؤية موحدة حول مستقبل سوريا وهو خطوة مهمة جدا
بدأ أن الجميع يستشعر خطر الانزلاق إلى حروب طائفية وعرقية طويلة الأمد في سوريا مما يفرض على الأردن والدول العربية الوازنة أن تتحرك سريعا إقليميا ودوليا ولا بُد من دور اردني فاعل، بالتنسيق مع القوى الدولية، لمنع تمدد الفوضى إلى دول المنطقة،
الأكيد أن سوريا ما بعد الأسد تعيش لحظة مفصلية، لكن استقرارها لن يتحقق إلا بتضافر الجهود الإقليمية والدولية، وإلا فإن المنطقة بأكملها، بما فيها الأردن ، ستدفع ثمن الفوضى والانفلات الأمني.