في أفق سياسي يموج بالتحديات الإقليمية والتحولات الدولية المتسارعة، يواصل الأردن ترسيخ مكانته كركيزة أساسية في إعادة صياغة مسارات الحلول السياسية للأزمة السورية. ففي العقبة، كانت اجتماعات لجنة الاتصال الوزارية العربية، التي جمعت وزراء خارجية دول عربية مع أطراف دولية، بمثابة منصة لتعزيز الدور الأردني المحوري، القائم على مزيج فريد من الدبلوماسية الحصيفة والرؤية السياسية المتزنة.
يتسم النهج الأردني تجاه الأزمة السورية بعمق سياسي يستند إلى الشرعية الدولية، لا سيما القرار 2254، الذي يمثل الإطار الأممي الوحيد القادر على تقديم رؤية شاملة للانتقال السياسي. يتعامل الأردن مع هذا القرار كخريطة طريق تُمكّن السوريين من صياغة مستقبلهم عبر انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف دولي، تضمن تمثيلاً عادلاً لمكونات الشعب السوري كافة، وتؤسس لدولة ديمقراطية قائمة على العدالة والمساواة.
أثبت الأردن حضوره على مدى أكثر من عقد كقائد في المشهد الإنساني للأزمة السورية. استضاف أكثر من مليون لاجئ، ما جعل منه نموذجًا للدول التي تتحمل مسؤولياتها الإنسانية في ظل غياب رؤية دولية موحدة. ومع ذلك، لم تقتصر الجهود الأردنية على الاستضافة فقط، بل تعدّتها إلى الضغط من أجل عودة طوعية وآمنة للاجئين، في ظل ظروف تراعي بناء الثقة، من خلال مصالحة وطنية تفعّل أدوات العدالة الانتقالية، وتضع أسسًا متينة لإعادة الإعمار الاجتماعي والسياسي.
يمثل الإرهاب أحد أكبر التحديات الماثلة أمام المنطقة وسوريا على وجه الخصوص. ولطالما أدرك الأردن أن القضاء على الإرهاب يتطلب أكثر من الحلول الأمنية التقليدية؛ إذ يحتاج إلى نهج متكامل يعالج الجذور الاجتماعية والاقتصادية للتطرف، ويعزز التنمية الاقتصادية كوسيلة لمحاربة أسباب العنف من جذورها. هذا النهج الأردني يشكل حجر الزاوية في الدعوات لتكثيف التعاون العربي والدولي في مواجهة الإرهاب كظاهرة عابرة للحدود.
وفي سياق التدخلات الخارجية، بما فيها الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للأراضي السورية، يبرز الموقف الأردني الداعم للسيادة السورية بشكل حازم. وقد أظهر البيان الختامي لاجتماعات العقبة توافقًا عربيًا على ضرورة وضع حد لهذه الانتهاكات. غير أن ترجمة هذا التوافق إلى واقع ملموس يتطلب إرادة سياسية جماعية تتجاوز الحسابات الفردية، وتركز على حماية وحدة سوريا وإعادة دورها كلاعب إقليمي أساسي.
يدرك الأردن، بعمق استراتيجي، أن استعادة سوريا لدورها الإقليمي والدولي تحتاج إلى أكثر من مجرد إنهاء الصراع؛ إذ يجب العمل على دعم المؤسسات الوطنية السورية، لضمان عدم تفككها والحفاظ على استقرارها كشرط أساسي لتجنب الفوضى الإقليمية. هذا الوعي الأردني يترجم عمليًا عبر قيادة دبلوماسية مدروسة تسعى إلى تقليص الفجوات بين الأطراف المختلفة، مما يعزز فرص الحلول الواقعية.
الدور الأردني في الأزمة السورية لا يُختصر فقط في مواقفه الدبلوماسية، بل يتجلى في رؤية متكاملة تسعى لتقديم حلول شاملة ومستدامة. هذه الرؤية توازن بين الجوانب الإنسانية والسياسية، ما يجعل الأردن وسيطًا وشريكًا فاعلًا في جهود إعادة الإعمار، وضامنًا لاستقرار المنطقة بأسرها.
بهذا، يظل الأردن نموذجًا للقيادة المسؤولة التي تجمع بين الحنكة السياسية والبصيرة الإنسانية. وإذ يواصل أداء دوره في هندسة الحلول الإقليمية، فإنه يثبت أن العمل السياسي لا يقتصر على إدارة الأزمات، بل يشمل صياغة المستقبل برؤية تستشرف التحديات وتحولها إلى فرص لتحقيق الاستقرار والازدهار.