ترددت في الكتابة في هذا الموضوع ، إلا أنّني عدت عن هذا التردد بعد أن رأيت أن بعض الوسائل الإعلامية و مواقع التواصل الاجتماعي قد حفلت بمادة ليست هينة تقوم بقياس ما كانت تشهده سوريا من انتهاكات لحقوق الإنسان و تعدٍ على كرامته و عرضه دون التفات إلى أدنى قيم حقوق الإنسان في بلده و معاييرها ، مع أن الدولة ، أي دولة ، معنيّة بحفظ كرامة الإنسان و عرضه و حمايته من أي شكل من أشكال التعدي عليه ، و يقيسون هذا بما تشهده المملكة الأردنية من تسامح و منسوب عالٍ من المحافظة على حقوق الإنسان و حفظ كرامته و صون عرضه و ممتلكاته !.
لعمري إن هذه المقايسة تقوم على مبدأ ليس بسليم ؛ ذلك أن المقايسة تجعل الطرفين على الصعيد نفسه ابتداء ثم تبدأ بالقياس و هنا وقع الخطأ ، فلا مجال للمقايسة بين نظام منفتح على كل مكوناته و يحترم حقوق مواطنيه و يتسامح حتى مع معارضيه ، و الشواهد لا تعوزنا في إثبات هذا ، و من باب التمثيل كلّنا ما زال يذكر كيف قام الملك حسين، رحمه الله ، بإخراج المعارض ليث شبيلات و مرافقته إلى بيت أمّه ، مع أنه كان محكوماً قضائياً .
لكنني وجدت أن هؤلاء الذين يقومون بهذه المقايسة ينقسمون على قسمين ؛ قسم يجري هذه المقايسة بحسن نيّة و هدفه إظهار ما في المملكة من حريّات و احترام للمواطنين و عدم وجود إجراءات انتقاميّة أو تعسفية في تطبيق القانون ، و القسم الآخر ينطلق من مبادئ إيدلوجيّة مسبقة تجعله يضخّم بعض الحالات الشاذة التي تنجم عن تعسف في تطبيق القانون و هي تحدث في كل دول العالم ، و هذا لا يعني الموافقة الضمنيّة عليها، و هي غالباً ما تخضع لمراجعة من لدن الدولة الأردنيّة عبر سلطتها القضائية و التنفيذيّة و إنصاف من وقع عليه ظلم و الشواهد على ذلك اكثر من أن تذكر !.
ينعم الأردنيون بنظام ملكي متسامح و منفتح على كل الناس و يستجيب لتطلعاتهم و يحاول الارتقاء بمستواهم المعيشي ضمن حدود إمكاناته المتواضعه و يسخّرها دون منّة منه عليهم لأنه يعي أن حقوق المواطن في العيش الكريم ليست منّة من الدولة ، و إنما هي من صلب مسؤولياتها ، فضلاً عن وجود أجهزة عسكريّة و أمنيّة راشدة يحكمها الدستور و القانون و تعي أن مسؤولياتها حماية هذا البلد و الذود عن حياضه و دفع العاديات عنه !.