وانا اتابع وسائل الإعلام العربي وخاصة القنوات الاخبارية، يخطر على بالي عدد من الاسئلة اولها: اذا كان لدى مؤسساتنا الاقتصادية والمالية كل هؤلاء الخبراء المحللين فلماذا تعاني معظم دولنا العربية من أزمات اقتصادية خانقة ومتفاقمة؟
أاما السؤال الثاني فهو: اذا كانت لدى مؤسساتنا الرسمية العربية، ومؤسساتنا الأهلية العربية كل هؤلاء الخبراء والمحللين السياسيين، فلماذا كل هذا الإفلاس السياسي في بلادنا العربية على الصعيدين الرسمي والاهلي؟
والسؤال الثالث هو: طالما كان لدى جيوشنا العربية كل هؤلاء الخبراء والمحللين الاستراتيجيين، فلماذا كانت هذه الجيوش تهزم في الحروب خلال ساعات؟
اما السؤال الرابع فهو: كيف يستطيع شخص واحد ان يكون خبيرا ومحللا عسكريا وسياسيا وإقتصاديا وتربويا وصحيا واجتماعيا في نفس الوقت، ومن اين يجد كل هذه الاوقات للقراءة والمتابعة الحثيثة للتطورات في كل هذه المجالات، ثم للتنقل بين عديد المحطات الاذاعية والقنوات الاخبارية؟. وربما لا يستثني المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي ليتحف المتابعين بتحليلاته؟.. وهي تحليلات سيكتشف المتابع المدقق ان الغالبية الساحقة اصحابها ليسوا على مقربة من صنع الحدث والقرار، وانهم لا يملكون معلومات حقيقية يبنون على أساسها تحليلاتهم واستنتاجاتهم، وان عددا منهم يعتبر ما تكتبه صحف غربية وكأنها مسلمات لا يأتيها الباطل من خلفها او من بين يديها، فيتحولون الى ببغاوات يرددون ما تقوله الصحف الغربية، حتى الصهيونية منها!
نسبة اخرى من هؤلاء الذين يقدمون للمشاهد والمستمع على انهم خبراء ومحللون، فانهم لا يقدمون للمشاهد والمستمع الا انطباعات وتمنيات، دون ان ينتبه هؤلاء ان كلام الكثيرين منهم صار مجرد ثرثرة وقوالب معادة ومملة؛ لكثرة تكرارها، وهي ثرثرة تخدم طرفين، وتقع بسببها ثلاتة أطراف ضحايا.
أما الطرف الاول الذي تخدمه هذه الثرثرة، فهي القنوات والمحطات الفضائية المرئية والمسموعة التي صار الكثير منها لا يبحث عن المضمون، وإنما يبحث عما يملأ به ساعات البث، وهو امر يخدم الباحثين عن الاضواء والشهرة، وهم الطرف الثاني الذي تخدمه الثرثرة.
أما ضحايا هذه الثرثرة فهي اولا اوقات الناس الذين يبحثون عن الحقيقة، التي غالبا ما تكون هي الضحية الثانية للثرثرة التي يمارسها بعض الذين يتم تقديمهم على أنهم خبراء ومحللون. اما الضحية الثالثة فهي المهنية التي صارت غائبة عن الكثير من معدي ومقدمي البرامج الاعلامية، الذين يجدون في من يحسن الثرثرة مخرجاً لهم، يغطي على عجزهم المهني في سوء الاعداد او التقديم. ثم نسأل لماذا يهرب الجمهور العربي الى الاعلام غير العربي؟!