أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية شهادة مناسبات جاهات واعراس الموقف شكوى مستثمر مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الدور الدستوري لمجلس الأمن القومي


أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة

الدور الدستوري لمجلس الأمن القومي

أ. د. ليث كمال نصراوين
أ. د. ليث كمال نصراوين
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
مدار الساعة (الرأي) ـ
لقد تضمنت التعديلات الدستورية لعام 2022 إضافة حكم جديد يتعلق بإنشاء مجلس للأمن القومي في الأردن وذلك أسوة بالعديد من الدول العربية والأجنبية، حيث أثار هذا التعديل موجة من التساؤلات الشعبية والسياسية حول ماهية هذا المجلس ومبررات إنشائه، حتى وصل الأمر بالبعض إلى اعتباره انتقاصا من الولاية الدستورية العامة لمجلس الوزراء بإدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية وذلك وفق أحكام المادة (45/1) من الدستور.
إن هذه الهواجس والمخاوف التي ارتبطت بنشأة مجلس الأمن القومي وعلاقته بالسلطة التنفيذية قد جرى تبديدها بالكامل بعد أن استكمل تعيين أعضاء المجلس وبدأ بممارسة مهام عمله وفق أحكام الدستور. فمجلس الأمن القومي كما تنص المادة (122) من الدستور يضم في عضويته كلاً من رئيس الوزراء، ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، وممثلي الأجهزة العسكرية والأمنية، وشخصيتين اثنتين يعينهما جلالة الملك، حيث صدرت الإرادة الملكية السامية قبل أشهر باختيار كل من رئيس الديوان الملكي الهاشمي ومدير مكتب جلالة الملك كعضوين في هذا المجلس وذلك لمدة سنتين شمسيتين.
إن الشخصيتين اللتين تقرر تعيينهما في مجلس الأمن القومي هما من المقربين لجلالة الملك، والذين عادة ما يرافقون جلالته في زياراته الداخلية للمؤسسات الوطنية ولمحافظات المملكة، وأثناء لقاءاته الخارجية مع رؤساء الدول والمنظمات الدولية بالنسبة لمدير المكتب. فقد جاء اختيارهما بما يتوافق مع الاختصاصات الدستورية المقررة لهذا المجلس، والتي حدد المشرع الدستوري نطاقها بأنها تشمل كافة الشؤون العليا المتعلقة بالأمن والدفاع والسياسة الخارجية.
كما اتضحت الصورة المتعلقة بمهام مجلس الأمن القومي من خلال الاجتماعات التي عقدها بحضور جلالة الملك، حيث اجتمع المجلس في شهر آب الماضي لمناقشة التطورات الأمنية في قطاع غزة والعدوان العسكري على الشعب الفلسطيني. كما عقد المجلس اجتماعين اثنين خلال الأيام الماضية للبحث في الأحداث الجارية في سوريا والخطوات الواجب اتباعها لضمان حماية وتأمين الحدود الشمالية. كما جرى التأكيد في الاجتماع على وقوف الأردن إلى جانب الأشقاء السوريين، وأهمية العمل بشكل سريع على فرض الاستقرار وتجنب أي صراع قد يؤدي إلى الفوضى في المنطقة.
إن طبيعة الموضوعات التي تمت مناقشتها في اجتماعات مجلس الأمن القومي السابقة وما صدر عنها من مخرجات يعطي انطباعا واضحا عن الغاية التي أراد المشرع الدستوري تحقيقها من إنشاء هذا المجلس. فهو لا يعتبر جهة منافسة لأي سلطة دستورية في العمل، على اعتبار أنه لن تصدر عنه أية قرارات تخص إدارة شؤون الدولة، والتي هي من صلب الاختصاصات الدستورية لمجلس الوزراء والوزراء فيه.
ولا أدل على ذلك أن قرار إغلاق معبر جابر الحدودي المقابل لمعبر نصيب السوري بسبب الظروف الأمنية المحيطة في الجنوب السوري قد صدر عن وزير الداخلية ضمن ولايته الدستورية ومهام عمل وزارته، وليس عن مجلس الأمن القومي.
وما يعزز من الرأي القانوني بأن مجلس الأمن القومي ليس بالجهة التي تنافس الحكومة على إدارة شؤون البلاد أن مجلس الوزراء ممثل في اجتماعات المجلس من خلال رئيسه والوزراء السياديين فيه، والذين سيصدرون قراراتهم الحكومية بما يتوافق مع السياسات الأمنية التي سيرسمها مجلس الأمن القومي. كما أن كلاً من رئيس الوزراء والوزراء الممثلين في المجلس سيشاركون جلالة الملك التوقيع على الإرادات الملكية التي ستصدر، والتي ستهدف إلى تنفيذ الاستراتيجيات التي يقرها مجلس الأمن الوطني.
كما أن المواضيع التي جرى التطرق لها في اجتماعات مجلس الأمن القومي تتعلق بالدفاع عن الوطن والحفاظ على أمنه واستقراره ولها ارتباط وثيق بالسياسة الخارجية للدولة الأردنية، وهي المهام التي قرر المشرع الدستوري إسنادها لهذا المجلس.
فكل من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وسقوط النظام السوري السابق هي من الموضوعات التي لها أهمية قصوى ومساس مباشر بالأمن الوطني بسبب الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية، بالإضافة إلى ارتباطها الوثيق بالسياسة الخارجية للأردن، مما يبرر اجتماع رأس الدولة مع الوزراء السياديين ورؤساء الأجهزة الأمنية والعسكرية لمناقشتها ووضع التصورات الخاصة بالتعاطي معها بما يضمن سلامة الوطن وحمايته وصون المصلحة الوطنية العليا.
وبهذا يكون مجلس الأمن القومي الأردني قد حقق الغاية المرجوة من إنشائه، ومتوافقا مع نظرائه في الدول العربية المجاورة. فمجلس الأمن القومي المصري يختص بمواجهة الأزمات بشتى أنواعها وتحديد مصادر الأخطار على الأمن الداخلي والخارجي. كما يمارس المجلس الأعلى للأمن في المغرب مهمة إقرار استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد وتدبير حالات الأزمات، ويقوم المجلس الأعلى للدفاع في كل من الكويت والإمارات بمتابعة شؤون الدفاع والمحافظة على سلامة الوطن وأمنه القومي.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com
مدار الساعة (الرأي) ـ