بلا شك، تعكس التطورات الأخيرة في سورية تداعيات استراتيجية مهمة ليس على سورية فقط بل على المنطقة برمتها، فالنظام الذي سقط قد حكم نصف قرن تاركا خلفه إرثا من الاستبداد والقمع والقهر بحق السوريين، بل ولم يسلم جيرانه من الأذى بأشكال وأدوات وعناوين مختلفة.
لكن المشهد السوري اليوم، يدفعنا في الجهة المقابلة إلى تناول الحقيقة كما هي من بين تفاصيلها، والحديث هنا عن الأردن وقيادته ودوره المشرّف وتاريخه السياسي الذي اتّسم دوماً بالعقل والحكمة والاعتدال.
خلال ترأسه الاجتماع الاخير لمجلس الأمن القومي، تحدث جلالة الملك عن احترام خيارات وإرادة الشعب السوري، في موقف ملوكي يعكس احترام الأردن لنفسه ولجيرانه،
وخلال سنوات الأزمة السورية كان الأردن يستضيف اللجوء السوري وتبعاته بكل صدر رحب رغم ما تعرضت لها حدودنا الشمالية من تصدير أزمات ومسلحين وتجّار موت ومخدرات، وقد بادر الأردن في أكثر من مناسبة وبقيادة جلالة الملك في انضاج حل سياسي يجنّب سوريا الشقيقة نتائج ما حدث خلال سنوات الحرب، فضلاً عن ذلك فجلالة الملك أول من تحدّث عن الهلال الشيعي محذّراً من أن المنطقة ستشهد دوّامات عنف واقتتال متزايدة، وحول ضرورة مواجهة ذلك بالحوار واطلاق نقاش اقليمي عملي واعٍ لحجم التحديات، ومع ذلك كان الموقف الاردني في كل مرة يتجلّى بوضوح حول ضرورة وحدة سورية ووحدة أراضيها ومنعها من الانزلاق في أتون الفوضى، وهو نفس الموقف اليوم الذي عبّر عنه وزير خارجية المملكة تعقيباً على أحداث سورية الأخيرة قبل أيام.
المغزى من هذا هو أولاً وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بموقف الأردن من دولة شقيقة تعيش حالة من الفوضى وسط سيناريوهات غامضة قادمة، وأيضا قراءة المشهد بما يتناسب مع مصالح الأردن وشعبه ويحفظ أمن واستقرار المملكة في ظل قيادة حكيمة تستشرف المستقبل وتقرأ الحاضر بعين العقل.
وثانيا وفي الجانب الآخر، وعلى هامش ما يحدث ايضا، أقول وبدون مبالغة أننا نفتخر بالأردن قيادةً وجيشاً وأمناً وشعباً، ففي الوقت الذي يغادر زعماء ورؤساء دول بثورات ومظاهرات واحتجاجات من شعوبها، يُستقبل جلالة الملك في كل محافظات ومدن وقرى وبوادي ومخيمات الاردن بحفاوةٍ ومحبةٍ واعتزازٍ بقائد طالما كان ومازال أباً حانياً وأخاً سانداً لكل بنات وأبناء شعبه، وفي الوقت الذي تتعرض فيه شعوب شقيقة لشتّى أشكال القمع والتنكيل والتعذيب والاضطهاد، ينعم الشعب الأردني بمساحات حرية الرأي والتعبير ولم يسجل في تاريخ الأردن وقيادته ومؤسساته أنها فعلت ما فعلته تلك الانظمة مع شعوبها، بل على العكس من ذلك فحتى معارضي الأردن أفراداً أو أحزاب يتمتعون بحرية التعبير عن آرائهم ، ومنهم حتى من يتحدث بحرية تحت قبة البرلمان.
هذا المشهد لن تراه إلّا في الأردن، لأنه الوطن الوحيد الذي يفهم معنى الإنسان وكرامته، ولأنها الدولة الوحيدة التي أرست قواعد الحكمة الاعتدال والتوازن في علاقتها مع مواطنيها ومع محيطها الخارجي.
الأردن عظيم، هو كذلك وسيبقى، وافتخارنا به واعتزازنا يحتم علينا من الآن أن يكون الأردن بكل ما فيه وبقيادته ومؤسساته وشعبه أولوية الأولويات، وأن نستقي الدروس من ما يحدث حولنا، فالمرحلة دقيقة ولا مكان فيها لأنصاف المواقف، هو موقف واحد أن نكون مع الأردن دائماً وأبداً.