في إقليم تتشابك فيه المصالح وتتقاطع فيه التحديات، تبرز الدول التي تمتلك من الحكمة ما يجعلها ميزانًا للاستقرار الإقليمي، والأردن اليوم هو هذا الميزان. تصريحات جلالة الملك خلال اجتماع مجلس الأمن القومي لم تكن مجرد تصريحات عابره، بل إعلان عن سياسة وطنية واضحة، ترسم معالم الدور الأردني المتوازن في منطقة تهددها الزلازل السياسية والاجتماعية.
الأردن ليس متفرجًا على الأزمات التي تعصف بجواره، بل شريك حقيقي في معادلات الحل، ومنذ بداية الأزمة السورية، أثبتت المملكة أنها قادرة على تقديم نموذج مختلف؛ نموذج لا يكتفي بالدعوة للسلام، بل يعيشه ويطبقه.
حين يتحدث الملك عن ضرورة حماية أمن سوريا وسيادتها، فإنه يضع خطوطًا حمراء لا تتعلق فقط بالأمن الإقليمي، بل بأمن الأردن ذاته. فالحدود المشتركة ليست مجرد مساحات جغرافية، بل جبهات مشتركة تتأثر وتؤثر، وما يحدث هناك لا يمكن عزله عن هنا.
إذا كان العالم يتحدث عن استضافة اللاجئين السوريين كأرقام، فإن الأردن تعامل معهم كبشر. فتح أبوابه، وقدم خدماته، رغم أعباء اقتصادية ثقيلة. وهذا ليس فضلًا، بل التزام أخلاقي يعكس إرثًا سياسيًا وإنسانيًا عريقًا.
ومع ذلك، لا يمكن للأردن أن يتحمل مسؤولية المجتمع الدولي وحده. اليوم، تصرخ السياسات الأردنية بصوت واضح: "إما أن يتحمل الجميع مسؤوليته، أو ستظل المنطقة تدفع ثمن التقاعس."
حين يُثني جلالة الملك على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، فهو يعي تمامًا أن هؤلاء الرجال هم السد الأول الذي يحمي الدولة من أمواج الفوضى. لكن هذه الإشادة تتجاوز الشكر التقليدي؛ إنها رسالة سياسية تعلن أن الأردن قوي داخليًا، متماسك في بنيانه، ويدرك أن الأمن ليس مجرد سلاح، بل عقل يقرأ المشهد ويديره بحكمة.
في السياسة، هناك من يختار الحلول السريعة، وهناك من يصر على الحلول العميقة. الأردن من الفئة الثانية. فالدعوة للحل السياسي في سوريا ليست مجرد ترف دبلوماسي، بل ضرورة وجودية.
الأردن يدرك أن الحلول المؤقتة ليست سوى قنابل موقوتة، وأن استقرار سوريا يعني استقرارًا حقيقيًا للمنطقة. لكن هذا الاستقرار لا يمكن أن يتحقق إلا بسيادة حقيقية تُحترم، وشعب يجد فرصته لبناء دولته بعيدًا عن التدخلات الخارجية.
حين أُمعن النظر في المشهد، أرى أن الأردن ليس مجرد دولة تبحث عن الاستقرار لنفسها، بل تسعى لأن تكون الركن الذي تستند عليه المنطقة في لحظاتها الأكثر هشاشة. تصريحات جلالة الملك لم تكن كلمات تُلقى في فراغ، بل خارطة طريق لمنطقة ما زالت تبحث عن طريقها.
ونحن، اليوم علينا أن ننقل هذا الدور بكل أمانة، لا كمدافعين عن سياسة، بل ككاتبين لتاريخ يصنعه وطننا كل يوم، بحكمة قيادته وإخلاص شعبه.