صوّت مجلس النواب العشرون قبل أيام على الثقة بالبيان الوزاري لحكومة الدكتور جعفر حسان، حيث حصلت الحكومة الجديدة على ثقة ما مجموعه (82) نائبا في حين حجب الثقة عنها (53) نائبا، وامتنع نائبان فقط عن التصويت.
وهذه الأرقام تشير إلى أن مجلس النواب كان شبه مكتمل من حيث الأعضاء في جلسة التصويت على الثقة ولم يغب عنه سوى نائب واحد، ذلك على خلاف الحال في السنوات الماضية التي كانت فيها جلسة التصويت على الثقة بالبيان الوزاري تشهد غيابا واضحا لأعضاء المجلس.
ويعود سبب التزام النواب بحضور جلسة التصويت على البيان الوزاري إلى التعديلات الدستورية المهمة التي جرت في عام 2011 والتي أقرت تغييرات جوهرية على آلية التصويت النيابية. فقبل ذلك العام، كان المشرع الدستوري يشترط لاعتبار البيان الوزاري مرفوضا من قبل أعضاء مجلس النواب أن تصوّت الأكثرية المطلقة من النواب على عدم الثقة به، وذلك عملا بأحكام (53/2) من الدستور قبل التعديل، التي كانت تنص صراحة على أنه «إذا قرر المجلس عدم الثقة بالوزارة بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه وجب عليها أن تستقيل».
إلا أن هذه الآلية الخاصة بالتصويت على البيان الوزاري قد طرأ عليها تغيير جذري في عام 2011، بحيث أصبح يشترط أن يصوّت النواب على البيان الوزاري للحكومة الجديدة بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضاء المجلس وذلك تطبيقا لأحكام المادة (54/6) من الدستور بحلتها المعدلة في عام 2011 التي أصبحت تنص على أنه «لأغراض الفقرات (3) و(4) و(5) من هذه المادة تحصل الوزارة على الثقة إذا صوتت لصالحها الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب».
إن آلية التصويت على البيان الوزاري قبل عام 2011 كانت تعتمد على فكرة التصويت السلبي؛ بحيث كان المشرع الدستوري يشترط لاعتبار البيان الوزاري مرفوضا أن تصوّت الأكثرية المطلقة من النواب المنتخبين على عدم الثقة به، بمعنى أن النص الدستوري السابق قبل التعديل كان يشترط أن تحجب الثقة عن البيان الوزاري الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، وبخلاف ذلك كانت الحكومة تعتبر كأنها قد حصلت على ثقة المجلس النيابي.
إن التصويت على البيان الوزاري بموجب النص الدستوري قبل عام 2011 كان يتم على أساس عدم حجب الثقة عن البيان الوزاري، بالتالي كان الغياب عن الجلسة أو الامتناع عن التصويت يعد لصالح الحكومة، ويفسر ضمنا على أنه دعم لها لغايات الفوز بثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري.
أما بعد عام 2011، فقد اعتمد المشرع الدستوري مبدأ التصويت الإيجابي على البيان الوزاري، بحيث أصبح يشترط أن يصوت النواب لصالح الثقة بالبيان الوزاري بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضاء المجلس. بالتالي، أصبح النواب المتغيبون عن جلسة التصويت أو الممتنعون عن الاقتراع بمثابة رافضين للبيان الوزاري الذي قدمته الحكومة.
إن إيجابيات التعديل الدستوري لعام 2011 تتمثل في إعادة الاعتبار إلى البيان الوزاري؛ فاعتماد التصويت السلبي في السابق كان يمكن أن يؤدي إلى نتائج غير مقبولة دستوريا تتمثل بحصول الحكومة على الثقة على بيانها الوزاري إذا صوّت لها نائب واحد فقط بالثقة وغاب عدد كبير جدا من الأعضاء أو امتنعوا عن التصويت، بشكل لم تصل نسبة حجب الثقة عن البيان الوزاري إلى الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس.
فهذا الحكم الدستوري هو الذي كان يدفع النواب في الماضي إلى الغياب عن جلسات التصويت على الثقة بالبيان الوزاري، معتقدين أنهم يسجلون موقفا معارضا للحكومة ولخطة عملها أمام الرأي العام ودوائرهم الانتخابية. إلا أنه وفي حقيقة الأمر كان غيابهم يعد قبولا منهم للبيان الوزاري وتأييدا للحكومة، على اعتبار أن عدم حضورهم جلسة التصويت من شأنه أن يحول دون حجب الثقة عن البيان الوزاري من قبل الأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس.
وفي مقابل آلية التصويت الإيجابي على البيان الوزاري، لا يزال المشرع الدستوري يعتمد مبدأ التصويت السلبي على طرح الثقة بالحكومة أو أحد الوزراء فيها في مرحلة ما بعد هذا البيان. فالمادة (54) من الدستور تشترط أن يصوت أعضاء مجلس النواب على عدم الثقة بالوزارة أو أي من الوزراء بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه، وذلك كي تُلزم على الاستقالة بحكم الدستور.
إن هذا الاختلاف في آلية التصويت بين البيان الوزاري والثقة بالحكومة له ما يبرره من حيث إن الحكومة قد حصلت على الثقة بالأكثرية المطلقة من أعضاء مجلس النواب على بيانها الوزاري، وعليه يكون عدم الثقة بها في أي مرحلة لاحقة قائما على أساس سحب هذه الثقة منها. وهذا الأمر يتطلب بالضرورة أن يكون التصويت في مرحلة ما بعد البيان الوزاري أساسه عدم الإبقاء على الثقة بها وليس تجديدها، وهو ما عبّر عنه المشرع الدستوري بالتصويت السلبي من خلال الاقتراع على عدم الثقة بالحكومة أو أحد الوزراء فيها لغايات بقائها في السلطة من عدمه.
أستاذ القانون الدستوري - عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com