العلاقات مع وبين الدول العربية هي نسخة عن العلاقات داخل العائلة والبيت، الولد العاق يشكل أزمة بنيوية داخل الأسرة وأخلاقية في المجتمع، وتربيته لأولاده تعد كارثة تنعكس على المناخ العام غير السوي، ما يهدد السلم والأمن ويجعل من بقائه المسؤول الأول عن الأسرة كارثة أخرى على الجميع، وهذا ينطبق تماما وبصورة بشعة على القيادة المتهورة لرؤساء بعض الدول، خصوصا من ورثوا العصيّ والبنادق من آبائهم الذين نصبوا أنفسهم آلهة تحميها آلات القتل والقمع لحفظ سلامتهم، واستمرار بقائهم قادة عميانا صمّا لا يدركون متغيرات الحياة وانفتاح العالم، ولعل الأسد كان أحد الأولاد العاقّين وواحداً من بقايا الدكتاتورية العربية.
الأسد وضع نفسه في مقعد المهّرج على مسرح الدمى، فهو وريث نظام مأزوم منذ ما يقارب خمسين عاما، استغل القادة العسكريون خلالها حاجة القيادة لهم لبناء أكبر مؤسسة فساد محروسة بقبعات الجيش وأقبية المعتقلات، وتضخمت ثرواتهم على حساب الشعب السوري الذي عانى غالببيته من الفقر والكدح لتأمين عيشه،وهم يعيشون في بلد تتدفق فيه الخيرات والثروات من النفط والمعادن، فالرئيس وأبناؤه وأصهاره والقيادات العسكرية والمخابراتية جميعهم شركاء مع أي تاجر أو صناعي،لهذا نرى مدى الكارثة التي عاشها أشقاؤنا في سوريا، فالقيادة السياسية والعسكرية لم تسمح بخسارة مصالحها لو مات الشعب كله.
هنا أعيد نشر ما كتبه جون إلترمان الصحفي والباحث في معهد الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي في سبتمبر 2013 وهو يلخص حالة بشار الأسد بعد عدة مقابلات لإلترمان معه، وأقتبس مما قاله الأسد جوابا على سؤال، لماذا لا تتعاونون مع الإدارة الأمريكية في قضايا الشرق الأوسط، فقال: «إن التعاون دون مكافأة يكون علامة على الضعف، فإذا أرادت الولايات المتحدة أي شيء على الإطلاق من سوريا، فإنه سيتعين عليها أن تدفع».
من هنا رأينا الزنزانة الضيقة التي يحاول الأسد أن يمد ساقيه فيها، فهو من بناها ليحمي نفسه من الحريق الكبير الذي كان هو سببا في إشعالها، وعندما خضع لسيطرة القادة العسكريين والأمنيين القدماء والمليشيات فلم يعالج الانتفاضة السلمية بعد مقتل وتعذيب بضعة أطفال في درعا، فاستنجد بالأفاعي ليبطل سحر الواقع، فاستدعى إيران وقوات الحرس الثوري وجعل سوريا مستباحة للإيرانيين والمرتزقة والمجموعات الإجرامية، ثم جاءته الأفاعي بمليشيا حزب الله والمليشيات التابعة من إفغانستان وكوريا وباكستان والعراق، وانسحب من المدن الشرقية ليتركها لداعش وحلفائها، عل الجميع يساعده في البقاء حاكما باسم السلاح، حتى خنقه الجميع فهرول إلى روسيا لنجدته،حتى أصبح خارج اللعبة، لا يملك القرار ولا يمكنه سوى الفرار.
إن جنوب سوريا طالما كانت المنطقة الآمنة بعكس إدعاء الأسد للنيل من الأردن،ويكفي أنه بقي هادئا طيلة ست سنوات حتى جيء بالقوات الإيرانية ومليشيا حزب الله، التي تعمل على تهجير السكان وتغيير الديموغرافيا، وكان عليه أن يحاول قطع الحبل الذي بات يضيق على رقبته، فهو من لا يملك القرار ولا السيادة على مؤسساته، وكما كان عليه أن يخضع للحل السياسي قبل أن يجد نفسه أمام محكمة جرائم الحرب، وعليه أن يفهم أن لعبة حساباته باتت مكشوفة حتى بالاستعانة بحلفائه، اليوم انتزع الشعب السوري حريته و أعاد الثقة والتمسك بكافة مكونات الشعب ولن يسمح لأحد أن يقوض الثورة التي انقلبت على بشار وزبانيته، فقرر الهروب تاركاً تاريخا دمويا وسيسقى من ذات الكأس الذي أذاقه للشعب السوري، فمعادلتهم للحل ليس لها سوى صفر، والصفر هو رقم لا يساوي شيئا ولكنه لا يغير في واقعهم شيئا، و ها هو طريد شريد الأسد على قاعدة الصفر الخاسر.
Royal430@hotmail.com