إن مجريات الأحداث والتطورات المتسارعة في منطقتنا بعد طوفان الأقصى تخبرنا صراحة بأن القادم اسوأ، وان البوصلة تتجه نحو التقسيم، وزيادة في بسط النفوذ. فما يحدث على الأرض، يشي بأن اللعب أصبح على المكشوف وان الخطط أخرجت من ادراجها، ووضعت على الطاولة، لوضع النقاط على الحروف ورسم خريطة جديدة على نهج الاتفاقيات الاستعمارية، وكأن الطريق معبد نحو «سايكس بيكو» جديد.
وبعد ان اجتاز نتن ياهو الامتحان الامريكي حسب منهاح الاخيرة- وقام بالدور المطلوب منه أمريكيا زادت قوته كما عزز الدور الإسرائيلي في المنطقة، بعد ان كسب ثقة الولايات المتحدة الأمريكية الذي كان يخوض الحرب نيابة عنها، لكن باسلحتها وبدعم غير محدود منها.
وما كان يقوله اثناء حربه الهمجية على قطاع غزة بانها حرب وجودية بالنسبة لدولة الاحتلال الإسرائيلي كان صحيحا لانه لو فشل من وجهة النظر الأمريكية لتقلص دورها وتم ابعادها عن المشهد تماما.
حيث كانت تتعامل امريكا مع دولة الاحتلال كدولة بلطجية تحمي مصالحها وتنفذ اوامراها وفي حال فشلها، او أصابها الوهن والضعف فسيتم الاستغناء عنها واستبدالها فورا.
وبعد طوفان الأقصى وما قامت به دولة الاحتلال من حرب جنونية احرقت خلالها الأخضر واليابس في قطاع غزة كما تمكنت من إعادة تموضع حزب الله بعد ان وجهت له ضربات موجعة ساهم في تحقيقها عوامل كثيرة لا مجال لذكرها الان، ها هي تتجه لقطع اوصاله وإغلاق جميع المنافذ والمعابر التي يمكن أن تمده بالسلاح من خلال إضعاف او إنهاء الدور الايراني في سوريا التي تشهد أحداثا متسارعة لم تكن متوقعة.
و نجحت دولة الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفها ومعها الولايات المتحدة في تنفيذ خطتها التي على ما يبدو أنها تسير وفق ما هو مرسوم لها لإعادة ترتيب المنطقة وتقسيم سوريا بين فصائل المعارضة وتركيا وغيرها، لفرض حصار على إيران وحزب الله وتطويقهما وتقليص نغوذهما وتهيئة الظروف لإيجاد تحالف دولي جديد تتزعمه «الاحتلال» لتصبح عريف المنطقة وشرطيها. ولن تتوقف عند سوريا وحزب الله والبنان فإن الأنظار والمخطط يتجه إلى الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة لزيادة رقعة الاستيطان والتهجير الى قطاع غزة ودول المنطقة وذلك بعد إفراغ شمال القطاع من سكانه إلى دول الجوار.
فإن ما يجري في غزة بظل التعنت الإسرائيلي واصرارها على مواصلة حربها وابادتها الجماعية دون اي اعتبار للقيم الانسانية والمواثيق الدولية والقرارات الأممية، يؤكد ان ما يجري ليس صدفة، او ردة فعل على عملية طوفان الأقصى، انما كان مخططاً له مع حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية اللتين كانتا ينتظران الفرصة المناسبة او حدوث عملية ضخمة لجعلها ذريعة ومبررا لاعمالهما القذرة على غرار غزو العراق للكويت وعملية 11سبتمبر الأمريكية وما تبعها من تطورات واحداث التي اتضح أنها جميعها كانت بتخطيط وتدبير أمريكي، فقط تحتاج إلى رئيس لتنفيذها والقيام بها ليحمل قذارتها وبعدها يرحل. لذلك فان منطقتنا تتجه إلى الاسوأ في ظل رئيس امريكي قادم معروف بعنجهيته وتسرعه باتخاذ القرارات دون ان يقيم وزنا لأي اعتبارات او تحالفات.
فرسم خريطة جديدة للمنطقة وانشاء طريق بديلة تؤمن المصالح الامريكية وتعزز الأمن الإسرائيلي وإدخال دولة الاحتلال كلاعب رئيسي في المنطقة وتهجير الفلسطينيين وغيره من المهام تحتاج إلى رئيس أمريكي كدونالد ترامب للقيام بها باعتباره شخصية خالية من اي سجل سياسي على غرار ما قام به في ولايته السابقة بالاعتراف بان الجولان المحتلة اراض إسرائيلة ونقل سفارة بلاده إلى القدس التي اعترف بها كعاصمة للاحتلال.
ومن هنا فان المنطقة مقبلة على أحداث كبيرة وتحالفات جديدة وصعود دول وانكفاء أخرى ولهيب مستعرة ستحرق كل من لا يعرف التعامل معها وابعادها عنه. وأن بلدنا حماها الله ليست بعيدة عما يجري او يخطط له للمنطقة مما يتطلب العمل على مسارين متوازيين الداخلي من خلال تماسك جبهتنا الداخلية وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة أما على الصعيد الخارجي والدولي ومع ثقتنا بحكمة وحنكة قيادتنا الدبلوماسية فعلينا فتح قنوات تواصل جديدة وإيجاد أوراق للعب فيها لحماية بلدنا من اية أخطار لا قدر الله.