مدار الساعة - أعلن زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني أن هدف المعارضة "إسقاط النظام" السوري، في وقت تتقدّم قواته والفصائل المتحالفة معها نحو حمص، ثالث أكبر المدن في البلاد، بعد أن سيطرت خلال الأيام الماضية على حلب وحماه.
وقال الجولاني الذ بدأ يستخدم اسمه الحقيقي أحمد الشرع بدلا من لقبه العسكري، في حوار مع شبكة "سي إن إن" الأميركية، "عندما نتحدث عن الأهداف، يبقى هدف الثورة إسقاط هذا النظام"، معتبرا أن الأخير "مات".
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الجمعة أن الجيش يحاول إبطاء تقدّم الفصائل السريع على الطريق الاستراتيجي الرابط بين حماة وحمص.
وفي حال سيطرت هيئة تحرير الشام وحلفاؤها على حمص، فلن تبقى بين المناطق الاستراتيجية سوى العاصمة دمشق ومنطقة الساحل المطلة على البحر الأبيض المتوسط في أيدي حكومة الرئيس بشار الأسد.
وقال المرصد إن فصائل المعارضة المسلحة باتت في الساعات الأخيرة على "بعد خمسة كيلومترات من أطراف مدينة حمص بعد سيطرتها على الرستن وتلبيسة" الواقعتين على الطريق الواصل بين المدينتين.
وأوضح أن "من شأن سيطرة الفصائل على مدينة حمص أن تقطع الطريق الذي يربط دمشق بالساحل السوري"، معقل الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة الرئيس بشار الأسد والتي تحكم سوريا منذ خمسة عقود.
وأعلنت وزارة الدفاع السورية الجمعة أن وحدات الجيش تقصف بالمدفعية وتشن غارات جوية بمؤازرة روسيا الداعمة لها، على تجمعات الفصائل المعارضة شمال مدينة حماة وجنوبها.
وأوردت الوزارة في بيان نقلا عن مصدر عسكري "قواتنا المسلحة تستهدف بنيران المدفعية والصواريخ والطيران الحربي السوري الروسي المشترك آليات الإرهابيين وتجمعاتهم على ريفي حماة الشمالي والجنوبي وتوقع في صفوفهم عشرات القتلى والمصابين وتدمر آليات وعربات".
وشنّت الفصائل المعارضة هجومها المفاجئ انطلاقا من معقلها في إدلب (شمال غرب) في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، وسيطرت على عشرات البلدات قبل الوصول الى حلب (شمال) وحماة (وسط).
وخلّف القتال حتى الآن أكثر من 800 قتيل، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما نزح 280 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة.
"خوف" في حمص
مساء الخميس، شوهد عشرات الآلاف من سكان حمص ينزحون باتجاه الساحل بعد سيطرة فصائل المعارضة على حماة.
وأرسلت القوات الحكومية تعزيزات إلى حمص حيث لم يخف سكان تخوفهم من تقدّم المعارضة.
وقال حيدر (37 عاما) القاطن في حي ذي غالبية علوية لفرانس برس عبر الهاتف "الخوف هو المظلة التي تغطي حمص الآن".
وأضاف "لم أر مثل هذا المشهد في حياتي، نحن خائفون للغاية ولا نعلم ماذا يحصل بين ساعة وأخرى".
في المقابل، قال سوريون غادروا سوريا خلال سنوات النزاع بسبب معارضتهم للنظام إنهم ملتصقون بشاشات التلفزة لمتابعة ما يحصل في البلاد.
وقال يزن (39 عاما) الذي قدّم نفسه باسمه الأول فقط، وقد كان ناشطا معارضا في السابق في حمص، لوكالة فرانس برس من فرنسا حيث يقيم حاليا، "كنا نحلم بهذا منذ أكثر من عشر سنوات".
وأضاف الرجل الذي عانى طويلا في حمص خلال حصارها من القوات الحكومية قبل مغادرتها في 2016، ردا على سؤال عمّا إذا كان قلقا بسبب الخلفية الإسلامية لهيئة تحرير الشام "لا يهمّ من يقود هذه العملية، حتى لو كان الشيطان نفسه وراءها. ما يهم الناس هو تحرير البلاد".
وأكدت "إدارة العمليات العسكرية" (قيادة الفصائل المعارضة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام الإسلامية) عبر حسابها على منصة "تلغرام"، "تحرير مدينة حماة بالكامل" وإطلاق سراح "مئات الأسرى المظلومين" من سجنها المركزي.
والتقط مصوّرون متعاملون مع وكالة فرانس برس صورا لمقاتلين يقبّلون الأرض لدى دخولهم الى المدينة، وأخرى لحشد من الناس يحرقون صورة عملاقة للرئيس بشار الأسد، بينما آخرون يقبلون مقاتلين وصلوا الى المدينة.
ويعدّ هذا القتال الأعنف منذ العام 2020 في البلد الذي شهد حربا أهلية اندلعت لدى قمع النظام السوري الاحتجاجات المطالبة بالديموقراطية عام 2011.
وأفاد المرصد السوري الذي يتخذ مقرا في بريطانيا ويعتمد على شبكة واسعة من المصادر في سوريا، عن سقوط 826 قتيلا، من بينهم 111 مدنيا. واشار الى أن 222 مقاتلا في الإجمال قضوا منذ الثلاثاء في محيط حماة.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف "إراقة الدماء" في سوريا، معتبرا أن التطورات الأخيرة نتيجة "فشل جماعي مزمن" في بلوغ تسوية سياسية للنزاع.
ودعا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي تدعم بلاده عددا من الفصائل المعارضة، نظيره السوري بشار الأسد إلى إيجاد "حل سياسي عاجل" للأزمة.
ولم يكن للغارات الجوية الروسية الداعمة للقوات الحكومية أثرا كبيرا على ما يبدو على التطورات الميدانية.
"لا ثأر"
وكانت القوات الحكومية استعادت في العام 2015، بدعم عسكري من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني، جزءا كبيرا من البلاد عام 2015، من سيطرة فصائل المعارضة، ثم استعادت السيطرة على حلب بأكملها في العام 2016.
في حلب أيضا، احتفل سكان عادوا الى المدينة مع دخول قوات المعارضة بلم شملهم مع عائلاتهم.
وتحدث محمد جمعة (25 عاما) عن "فرحة لا توصف" بعودته إلى حلب التي غادرها في 2016.
وفي رسالة مصورة، تعهد الجولاني بأن "لا ثأر" في حماة، مشيرا الى أن المقاتلين دخلوها "لتطهير ذاك الجرح الذي استمر في سوريا لمدة 40 عاما"، في إشارة إلى حملة القمع الدامية لانتفاضة في المدينة قادتها جماعة الإخوان المسلمين عام 1982.
كما دعا في كلمته رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني الى النأي بالعراق عن الحرب السورية، ومنع إرسال مقاتلين من الحشد الشعبي لمساندة قوات النظام السوري.
وفي إطار التحركات المرتبطة بالتطورات في سوريا، يعقد السبت في الدوحة اجتماع بين وزراء خارجية تركيا هاكان فيدان وإيران عباس عراقجي وروسيا سيرغي لافروف لمناقشة الوضع في سوريا، على ما أكدت وزارة الخارجية التركية الجمعة.
وسيتناول الاجتماع تفعيل مسار أستانا الذي أبرم في العام 2017 في كازاخستان، وأرسى وقفا لإطلاق النار في إدلب بين مقاتلي المعارضة والحكومة السورية برعاية الدول الثلاث، على أن يتم العمل على حلّ سياسي لم يحصل.
وتشترك تركيا في حدود تزيد على 900 كيلومتر مع سوريا، وتستضيف ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أراضيها أصبحوا يشكلون عبئا وقضية سياسية داخلية.