في خطوة مثيرة للجدل خلال مناقشة النواب للبيان الوزاري لحكومة جعفر حسان، دعا رئيس كتلة الإصلاح النيابية والتي تمثل الحركة الإسلامية في مجلس النواب المحامي صالح العرموطي الحكومة الى وقف مهاجمة الحركة من قبل كتاب صحفيين والذين يوجهون انتقادات حادة ويهاجمون مواقفها السياسية. يبدو أن هذا الموقف قد تم التعبير عنه في سياق دفاعي انفعالي عن الحركة الإسلامية، لكن ما يجب أن نلفت النظر إليه هو أن هذا الطلب يتنافى مع أبسط مبادئ الديمقراطية وحرية التعبير.
ويجب أن نوضح نقطة أساسية قد تكون مغيبة عن البعض، وخاصة أولئك الذين يتحدثون عن "حرية الحماية" لمواقفهم السياسية. فالحركة الإسلامية في الأردن، مثل أي تنظيم سياسي آخر، هي جزء من المشهد السياسي العام في المملكة. فهي ليست حركة دينية فقط، تمارس دورا وعظيا وارشاديا، بل هي تنظيم سياسي يعبر عن آراء ومواقف قد تتفق مع البعض وتختلف مع البعض الآخر. وعليه، فإن المطالبة بحماية الحركة الإسلامية من النقد العام هو أمر مرفوض، لأن هذا يفتح الباب لتبرير مصادرة حق الصحفيين في التعبير عن آرائهم بحرية.
إن الصحافة، باعتبارها إحدى الدعائم الأساسية في المجتمع الديمقراطي، تمثل صوت الناس وقوّة الرقابة على السلطة. ومن حق الصحفيين والمواطنين على حد سواء، أن ينتقدوا أي تنظيم سياسي، سواء كان بمسميات دينية او غيرها، في الوقت الذي يتحمل فيه السياسيون نتائج مواقفهم السياسية عبر صناديق الاقتراع، فإنهم في المقابل لا يمتلكون حقاً في تقليص حرية التعبير في وجه الصحفيين أو منعهم من ممارسة دورهم الرقابي. فإذا كان هناك من يعتقد أن السياسة هي منطقة محمية من النقد، فهذا يتناقض مع مبادئ الديمقراطية التي تكفل للجميع الحق في المشاركة في الحوار والنقاش العام بحرية.
لكن ما يثير الاستغراب أكثر هو أن النائب العرموطي والذي على الصعيد الشخصي احترم مسيرته المهنية والنقابية، بدلاً من أن يوجه نقده هذا إلى الصحفيين الذين يمارسون حقهم الطبيعي في التعبير عن آرائهم، كان من باب أولى أن يقدم نصائحه إلى عناصر حركته التي تتصدر المشهد الإعلامي بشكل متكرر. هؤلاء الأفراد، الذين يمثلون الحركة، لا يتورعون عن إصدار خطاب إعلامي انفعالي مأزوم يعتمد على معاداة كل من ينتقد أداء الحركة السياسي. بدل أن يكون خطابهم مدعوماً بالحجة والبرهان وقبول النقد والراي الاخر، يختارون التشكيك في نوايا منتقديهم ويلوحون بالتهم الجزافية.
ما يزيد من تعقيد الوضع هو أن هؤلاء المتصدرين للإعلام في الحركة الإسلامية يتلحفون دائماً باسم الدين، ويكيلون الاتهامات لكل من يخالفهم الرأي والموقف. وعوضاً عن مناقشة الانتقادات بأسلوب حضاري، يتم توجيه الاتهامات لمن يختلف معهم في الفكر أو الموقف، الأمر الذي يشوه طبيعة النقاش الديمقراطي. بل إنهم يسعون لأن تكون الحركة بمنأى عن أي نوع من النقد، متجاهلين أن السياسة لا تعني العصمة من الانتقاد، وأن النقد جزء من العمل السياسي السليم.
وفي سياقٍ أكثر إيلاماً، نجد أن هناك مسعى مستمراً من قبل بعض عناصر الحركة لتشويه سمعة الصحفيين الذين يختلفون معهم، محاولين تصويرهم على أنهم مجرد "طلاب مناصب" أو "باحثين عن مكاسب شخصية". هذا النهج ليس فقط ينم عن خصومة غير شريفه بل هو في غاية الخطورة، إذ إنه يحاول تشويه سمعة الصحفيين المحترفين والمهنيين الذين لم يسعوا سوى إلى ممارسة دورهم في النقد والتحليل. هؤلاء الصحفيون الذين يرفضون التماهي مع مواقف سياسية أو حزبية معينة هم أصحاب تاريخ صحفي ومهني حافل، وهو ما يشهد لهم بالكفاءة والموضوعية. فكيف يمكن تقزيم هؤلاء الأفراد وإهانتهم لمجرد أنهم يعبرون عن آرائهم بصوت عالٍ؟ هؤلاء الصحفيون يرفعون شعار المهنية في عملهم، ويطالبون بالحقيقة في كل موقف، وهو ما يجب أن يُحترم بدلاً من أن يُحارب.
لكن الأخطر من ذلك، هو أن مثل هذه الدعوات التي تسعى لتقييد حرية الصحافة والنقد العام، تحمل في طياتها تهديداً حقيقياً لحريات التعبير والتنوع الفكري في حال إذا ما تحقق لأفراد الحركة الإسلامية الوصول إلى حكومة حزبية ضمن مشروع الإصلاح السياسي في الأردن. في حال وصلوا، فإن غياب القدرة على تقبل النقد أو الاختلاف سيشكل تهديداً جدياً لحرية التعبير، وسيؤدي إلى انتكاسة في تنوع الآراء السياسية والفكرية. هذا يفتح الباب أمام طرف حزبي لا يعترف بالتعددية السياسية ويعزز من حالة الانغلاق على الرأي الواحد، ما يهدد المسار الديمقراطي في البلاد.
إن الحركة الإسلامية إذا كانت حقاً تطمح لأن تكون جزءاً من المشروع الإصلاحي الحزبي والديمقراطي في الأردن، فعليها أن تتجاوز خطابها الإعلامي الانفعالي والمتحامل، وأن تعمل على عقلنة هذا الخطاب بما يخدم مصالح الوطن العليا. ينبغي على الحركة أن تراجع مواقفها وتحسن أسلوبها في التعامل مع الاختلافات الفكرية والسياسية، وأن تدرك أن قبول النقد هو جزء من العملية الديمقراطية التي تبني المجتمعات الحرة. من خلال تبني خطاب عقلاني وبناء، يمكن للحركة أن تثبت نفسها كجزء من النظام السياسي الذي يساهم في خدمة الدولة الأردنية، ويعزز من مصالحها الاستراتيجية على مختلف الأصعدة.
في الختام، يجب أن تبقى الصحافة الحرة والنقد البناء جزءاً أساسياً من أي نقاش سياسي ديمقراطي، وأن تظل كل الأطراف السياسية على استعداد لمناقشة مواقفها وتصحيحها إذا لزم الأمر، دون اللجوء إلى إغلاق أبواب النقد أو التلويح بالتهديدات.