منذ فترة ليست قصيرة انتقل مركز الثِقَل في الوضع العربي من العواصم الرئيسية كالقاهرة ودمشق وبغداد إلى بعض العواصم الأخرى كالرياض وأبو ظبي في منطقه الخليج العربي، وقد عُبّر عن هذا الوضع بالقول إنه انتقال من "الثورة" إلى "الثروة" وقد كان المقصود أن العواصم التي كانت ترفع شعارات الثورة هي التي تسيّدت لمرحلة ما، أما الآن فيبدو أن "التسيّد" أصبح لعواصم الدول التي تملك "الثروة" والواقع أنّ هذه هي "لحظه الخليج العربي" -كما عبّر عنها "عبد الخالق عبد الله" أحد الباحثين الخليجيين المعروفين-، ولذا فإن من المنطقي بالنسبة لدول الخليج العربي أن تتصدى لمسؤولية القيادة في الفضاء العربي لما فيه مصالح عربية عليا تتجاوز البعد القُطري، وتعلو عليه، ولعلّ أهم مبررات التصدي لهذه المسؤولية التاريخية ما يلي:
أولاً: أن دول الخليج العربي غنية مالياً، فالمملكة العربية السعودية هي من الدول العشرين الغنية في العالم (G20)، والإمارات العربية المتحدة هي من الدول الثلاثين (G30)، ودولة قطر هي المُصدّر الأول للغاز في العالم، والكويت من الدول الرئيسة المصدرة للنفط، وأمّا عُمان والبحرين فهما من الدول الواعدة في مجال النمو، لذا فإن دول الخليج العربي تستطيع أن تمارس دوراً تدعمه إمكانياتها الكبيرة على الصعيد الاقتصادي.
ثانياً: أنّ دول الخليج العربي هي "منظومة" مستقرة ومنسجمة إلى حدٍ كبير فشعوبها متقاربة ثقافياً، واجتماعياً، واقتصادياً، وتحكمها عائلات ملكية عريقة ومتقاربة النسب، وذلك فضلاً عن أنها تعاني من نفس المشكلات الديموغرافية تقريباً وإن بشكل متفاوت (سكان محليون قليلو العدد وعمالة كبيرة). صحيح أن مجلس التعاون الخليجي لم ينجح بالصورة المأمولة، ولم يتمخض -رغم عمره الطويل- عن "وحدة" خليجية لكنه يظل الإطار الإقليمي الوحيد في الوطن العربي الذي ظل قائماً بعد أن تلاشت أشكال الوحدة الأخرى التي ظهرت بين بعض الدول العربية لكنها ما لبثت أن اختفت.
ثالثاً: أن كل دول الخليج العربي لها علاقات وثيقة مع الغرب وبالذات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبما أن الولايات المتحدة ما زالت هي "القطب" الأوحد الذي يتربع على عرش العالم (برغم بداية بروز لأقطاب متعددة مثل الصين، وروسيا، والهند وغيرها) فإنّ دول الخليج العربي يُفترض أن تستطيع استثمار هذه العلاقات وتوظيفها إيجابياً لصالح القضايا العربية وبالذات القضية الفلسطينية حيث يتحالف الغرب بقوة في مساندة إسرائيل التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني وتحول دون نيل حقوقه في الحرية والاستقلال.
رابعاً: أنّ السعودية وهي أكبر دول الخليج العربي تمتلك بُعداً إسلامياً مهماً فهي "بلد الحرمين الشريفين"، ومهد "الرسالة الإسلامية"، ومن غير المبالغة القول أنّ لها نفوذاً مُعتبراً على كثير من الدول الإسلامية و"منظمة العالم الإسلامي"، الأمر الذي يتيح لها ولدول الخليج من ورائها أن تلعب دوراً مؤثراً ومهماً في صياغة موقف إسلامي داعم للقضايا العربية في مختلف الميادين والمجالات.
خامساً: أنّ تصدّي دول الخليج العربي لمسؤولية القيادة في العالم العربي يفيدها "ككيان خليجي"، ويحميها "بالبعد العربي"، وبعبارة أخرى فإنّ ممارسة دول الخليج العربي لمسؤولية القيادة في العالم العربي ينفعها بقدر ما ينفع بقية الدول العربية، فهي تفيد وتستفيد، وتعطي وتأخذ في نفس الوقت وبالذات إذا تذكرنا بأنّ دول الخليج العربي تعاني - كما أشرنا آنفاً- من مشكلة "الديموغرافيا"، ووجود عمالة أجنبية كبيرة فيها.
سادساً: أنّ دول الخليج العربي تقوم بمهمة "إنقاذيه" للوضع العربي إذا تصدت للمسؤولية القيادية العربية وذلك بسبب أنّ معظم الدول العربية الرئيسة تعاني من مشكلات حادة كجمهورية مصر العربية التي تعاني من وضع اقتصادي صعب، وسوريا التي تعاني من وجود عدة قوى أجنبية على أرضها، وكذلك العراق الذي يئن تحت وطأة نفوذ قوى كُبرى وإقليمية، ناهيك عن تردي أوضاع بعض الدول العربية كاليمن، والسودان، وليبيا، وتعرُّض بعض الشعوب العربية الأخرى للعدوان الإسرائيلي المباشر كالشعب الفلسطيني، والشعب اللبناني.
أخيراً، هل هذا (أيّ تصدي دول الخليج العربي لمسؤولية القيادة في العالم العربي) ممكن؟ ألا تواجهه صعوبات قد تتعلق برغبة الدول الخليجية أو بعضها "في النأي بالنفس" عن المشكلات العربية المُزمنة، أو بعدم رغبة كثير من الدول العربية بهذا الدور الخليجي المأمول، أو برغبة الدول الكبرى والنافذة في العالم في إبقاء هذه الدول (أيّ دول الخليج العربي) منشغلة بنفسها وبعيدة عن مواطن القوة والتأثير؟ إنّ كل هذه الصعوبات واردة ويظل السؤال الكبير المُعلق هو: هل دول الخليج العربي راغبة في هذا الدور؟ وإذا كانت راغبة فهل هي قادرة عليه بكل ما يتطلبه من التزامات، ومسؤوليات، بلوربماتضحيات؟