من متطلبات الانتقال الدائم أو المؤقت من الأردن زيارة المرجعيات المؤسسية الأردنية الرسمية، والأطر الاجتماعية غير الرسمية.
تم بالأمس تحقيق المتطلب الأول بنجاح؛ من خلال زيارة السفارة الأردنية بقطر، في حين لا زال الشق الثاني مؤجلًا الحديث عنه – مؤقتًا على الأقل – حتى يُصار لتنظيم الجالية الأردنية بشكل رسمي والتي تتجاوز ثمانين ألفًا. لا يسعى كاتب المقال إلى التزلف أو المجاملة أو تحقيق مصحلة بقدر التأشير على نماذج أردنية مُميّزة، وهم كُثر، وذلك من أجل تعميم الايجابيات؛ ليلتقطها أولئك الذين لا زالوا يرزحون تحت سلبيات تأثير السلطة والحداثة المُفرطة.
قد تكون مصادر التأثير، أو تشكيل هذه النماذج متعددةً ومتنوعةً ونسبية، وبعجالة يمكن إستحضار البعد الاجتماعي والتنشئة والتعليم ليساعدونا في فهم وتفسير السلوكيات الوظيفية والقيميّة للبعض. إن هذا الثالوث إن أُحسن بناؤه فإنه دون شك يعتبر رافعة عملية لاستقرار المجتمعات وتحضّرها؛ لأنه ببساطة يفرض حالة من الانتظام الداخلي لتلك المكونات على اختلاف مراكزها وادوارها، مما يُنتج سلاسة في الانسياب الصاعد والنازل.
لا يمكن نزع الفرع من أصله، وعلى الرغم من أهمية المؤسسات الحديثة على اختلافها: الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والتي تُعتبر نتاج الإرادة، والإدارة ودرجة تمدن الإنسان، والتي اسهمت بتنظيم حركات المجتمعات وسهولة إدماجه في الاطار الجمعي الإنساني، إلا أن المؤسسة الاجتماعية الأردنية والتي تمثلها القبيلة والعشيرة والعائلة، وبما تحويه من قيم فُضلى وتقاليد عريقة - ومنها استمدت المؤسسات الحديثة الرؤى والقيم - لا يُمكن إنكار فضلها، أو حتى مجرد محاولة التقليل من دورها التاريخي في بناء الإنسان الأردني، والمساعدة على إنشاء كيان الأردن السياسي، وحفظها للأمن والسلم الأهلي، وبطبيعة الحال إنتاج نماذج فردية وجماعية مُتميزة، ومدفوعة بقيم وتقاليد تلك المؤسسة الاجتماعية.
قد تتباين التنشئة الأسرية والوطنية بين مكونات المؤسسة الاجتماعية الواحدة بين الكمال، وتحقيق قدر مقبول من بناء الإنسان، وعلى الرغم من تواضع نسبة الأخيرة، إلا أنها تضل متقدمة على غيرها من نماذج تنشئة تتبع طرائق مُحدثة قبلت الانفصال عن تلك الاصول، وجعلت من تلك النماذج مرجعيتها الوحيدة؛ مما أسهم في نتاجات مجزوءة ومبتورة. إن بناء الشخصية الوطنية يحتاج إلى جانب المكونين العقائدي والمعرفي، المكون الاجتماعي بما يُضفيه من رصانة وتأطير لاحتمالات فوضوية قد تنشأ وتتطرف في المستقبل.
وهنا يبرز دور التعليم في رفد هذه العملية بما يوفره من أساس معرفي يسهم على مرحلتين: مرحلة العائلة القائمة بعملية التنشئة و مرحلى النشء ذاته. وكلما كان التعليم متوازنًا، وناجحًا، فإن احتمالاتِ تكامل الشخصية ونضجها يكون كبيرًا. هذه الخصائص تتوافر لدى العديد من الناس، وهو ما لمسته ايضًا عند السيد زيد اللوزي السفير الإردني بقطر. فعندما تجتمع المعرفة مع التنشئة الناجحة والتي تنبع من بعد اجتماعي أطرته عشائرنا وقبائلنا الأردنية بقيمها الفُضلى، فإنك دون ادنى شك تحصل على منتج وطني بهذا الشكل. فلا هاتف مشغول أو مرفوع، ولا معاناة في الحصول على موعد لمقابلة السفير، ولا تجاهل ولا تسويف. فالترحاب الحار وكرم الضيافة من القيم الإردنية التي طبعته وطبعت كل من يعمل في السفارة، وهنا الشكر ايضًا لمعالي نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية بلدوزر الدبلوماسية العربية على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
كان الحوار مُقتضبًا بحكم الإنشغالات الخارجية ولكنه ثريًا حول الدور الوطني الذي تقوم به السفارة في خدمة الأردنيين، واحوال الجالية الأردنية، واهمية تنظيمها بإطار قانوني لتكون اكثر فاعلية مثل بقية الجاليات المُنظمة، وابدى الدعم الكامل في سبيل العمل لتكون الجالية مميزة بعملها وعطاءها؛ لتنشر الصورة الحقيقية التي تُمثل الأردن خير تمثيل. وتسعى السفارة الأردنية في الدوحة لتعزيز القيم الأردنية الأصيلة في نفوس الأردنيين كالإخلاص في العمل، والإنتماء، والصدق، والمسؤولية، لذا اتفق بأن الأردنيين المتميزين الذين امضوا سنوات طويلة وكانت لهم اسهامات عظيمة في بناء هذا البلد، والذين اسهموا بطرق مباشرة وغير مباشرة في تحريك الإقتصاد الأردني من خلال التحويلات المالية، يستحقون التكريم من سفارتهم على تقديم مثل هذا النموذج المُميز، وهذا ما استشفيته من السفير الذي لم يُصرّح بذلك، وهذه عادة الدبلوماسيين، واعتقد أن بداية العام القادم ستشهد شيءمنهذاالقبيل.