ما تزال واشنطن وخصوصاً تل أبيب, تُتابعان عن كثب, تطورات الحرب الصهيوأميركية التي بدأتها الجماعات الإرهابية/ التكفيرية, بعد تلقيها «أمر العمليات» من عواصم إقليمية وانخراط أميركي صهيوني مُباشر, محمول على تزوير للحقائق, باعتبارها «فرصة» لتغيير موازين القوى على نحو جيوسياسي, خاصة مع استمرار حرب الإبادة والتطهير العِرقي والتجويع والتدمير الصهيوأميركية, على قطاع غزة المنكوب والمُجوّع والمُحاصَر, وتواصُل خرق العدو الصهيوني لاتفاق وقف النار في لبنان.
ولعل أكثر ما يلفت الانتباه هو الاهتمام, الذي تُبديه وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية في دولة العدو الفاشي. والذي تبدّى في عناوين الصحف اليومية وقراءاتها المتباينة (دع عنك المحطات التلفازية), في ما ستتركه هذه الأحداث من «عوائد» على الكيان الاستعماري العنصري, أم خصوصاً ما سيلحَق من أضرار ـ من وجهة نظرها ـ بالنفوذ الإيراني والروسي, إضافة إلى انعكاسه على الرئيس بشار الأسد.
لنبدأ بالمانشيتات/العناوين الرئيسية للصحف اليومية, والتي تعكس كما هو معروف توجهات كل صحيفة وفقاً لاصطفافها السياسي و«الحزبي بالطبع». إذ عنونت «هآرتس» صفحتها الأولى على النحو التالي: هآرتس: ** التقدير في إسرائيل: إيران ستضخ قوات لسوريا في محاولة لمساعدة الأسد. ** المتمردون في سوريا احتلوا مناطق في مدينة حلب؛ جيش الأسد: مقتل العشرات. ** أزمة سوريا تكشف ضعف سياسة وقوة روسيا. ** معركة محلية محدودة – أم طريقة لترسيم خريطة سيطرة جديدة في سوريا؟.
فيما جاء عنوان «يديعوت أحرونوت» الرئيسي:** تسوية قيد الاختبار... «الثوار» في سوريا شنوا هجوماً مُفاجِئاً وإسرائيل تتابع بتحفظ. فيما معاريف/الأسبوع عنونت:** الأسد يفقد السيطرة. ** سوريا تهتز. لكن » إسرائيل اليوم» المُقربة بل الناطقة باسم مُجرم الحرب نتنياهو عنونت:** التخوّف: «انهيار نظام الأسد سينمي تهديدات جديدة على إسرائيل». ** التقدير في إسرائيل: الأسد سيُدخل الإيرانيين. ** محور الشر في ضائقة.** انهيار نظام الأسد في شمال سوريا: كابوس المحور الإيراني.
ماذا عن المقالات والتحليلات؟.
يقول «يهودا بلنجا» الذي تُعرِفه صحيفة «إسرائيل اليوم» بأنه (خبير في شؤون سوريا وحزب الله، دائرة دراسة الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان). في مقالة له أول أمس الاثنين بعنوان: «الرهان الخطير للثوار». على خلفية الأهمية الزائدة التي توليها إيران وروسيا بكون الأسد حاكم الدولة، معقول الافتراض بحذر بأنهم في غضون وقت قصير سيجمعون القوى وفي جهد مركز سيردون الحرب لأجل صد الثوار، إعادة احتلال المناطق التي خسروها وتصفية مراكز الثورة الأخيرة، مرة واحدة وإلى الأبد. أفادت وسائل الإعلام في اليومين الأخيرين ـ أضاف بلنجا ـ بهجوم قامت به قوات الثوار في شمال سوريا تحت اسم: حملة «ردع العدوان». مركز القتال هو في مدن حلب، إدلب وحماة، ومن هنا نزلت القوات جنوباً باتجاه مدينة حمص. ومن جنوب سوريا أيضاً جاءت تقارير عن هجمات قام بها الثوار على مواقع وقواعد لجيش الأسد في منطقة درعا وسويداء أيضاً.
ظاهراً ـ أردف بلنجا ـ يبدو أن الثوار يحاولون استغلال الضربة التي وجهتها إسرائيل في لبنان على معسكر المقاومة - إيران، سوريا وحزب الله – بهدف تحقيق مكاسب إقليمية وربما تغيير ميزان القوى في سوريا. وهذا على ما يبدو بدعم من الجارة الكريهة تركيا, التي في كانون الأول/2018 اجتاحت سوريا في اطار حملة «غصن الزيتون» واحتلت منطقة فاصلة على الحدود التركية السورية, على مقربة من مركز الثوار الأخير في سوريا - محافظة ادلب. من هم أولئك «الثوار»؟ ـ تساءل الكاتب ـ فضلاً عن أنه يستحوذهم هدف واحد - اسقاط نظام الأسد - فإنهم بعيدون عن وضع جدول أعمال موحد لـ«اليوم التالي». عملياً، هذه هي المشكلة المركزية لمعسكر الثوار بأطيافه السياسية والدينية. فعلى مدى 13 سنة من الحرب الأهلية لم يعملوا أبداً كجسم مُوحد, يعرض خطة مرتبة وشرعية لكل معارضي النظام في سوريا. ومع ذلك ـ يستطرد بلنجا ـ فإن النظام السوري «لا يوجد حالياً في خطر». حتى في السنوات الصعبة للأسد، حين كان نحو ثلثي الدولة في أيدي جماعات الثوار المُختلفة، بما فيها داعش، لم ينكسِر.
أما في «هآرتس», فكتبَ «عاموس هرئيل» مقالة تحت عنوان: «سوريا ستُبعِد الاهتمام الإيراني عن إسرائيل». جاء فيها: بين الاتفاق الذي اضطر حزب الله لقبوله ونجاح المتمردين السوريين في حلب, يبدو أن ردود الأفعال المتسلسلة من 7 أكتوبر يتم الشعور بها من طهران وحتى دمشق. أقوال السيناتور الأميركي/ليندسي غراهام, تُظهر أن توجّه ترامب هو نحو إنهاء الحرب واطلاق سراح المخطوفين وليس استمرار الحرب. هذا ـ أردفَ الكاتب ـ لم يكن أسبوع ناجح لمحور إيران في الشرق الأوسط. بعد بضعة أيام على اضطرار إيران وحزب الله على الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار بشروط غير مريحة لهم في لبنان، وربما أيضاً ـ لفتَ هرئيل ـ بإلهام منه فقد تغيّر الوضع كليّاً في سوريا في غير صالح نظام الأسد. للمرة الأولى منذ ساعد التدخل العسكري الكثيف لروسيا النظام في سوريا, على تحقيق نوع من الانتصار، وإعادة ثلثي أراضي الدولة إلى سيطرته في/2018، حصلَ المُتمردون «السُنّة» على إنجاز مهم. رجال «تحرير الشام»، النُسخة الحالية لفرع القاعدة في سوريا، قادوا هجوماً مُفاجِئاً لمنظمات المُتمردين بدعم من تركيا.
kharroub@jpf.com.jo