في مقالة لافتة ومُثيرة للانتباه, سواء في توقيتها أم خصوصاً فيما انطوت عليه من تبريرات وشروحات, بعضها يغرِف من «تُراث» الدعاية العنصرية الاستعمارية الصهيونية, القائمة على نظرية «تفوق» العنصر اليهودي وعبقريته المزعومة. كتبَ «يوسي بيلين» وزير العدل الصهيوني الأسبق والـ«المُفاوض» السابق, وأحد «أبرز» رموز حزب العمل المُندثر, والذي إلتحقَ بأكثر من حزب وحركة لاحقاً, وكان في الآن ذاته, أحد الذين بدوا في فترة ما, وبخاصة بعد اتفاق أوسلو الكارثي, وكأنه/ بيلين «حمامة سلام», مُشاركاً قادة فلسطينيين في «مبادرات سلام» عد?دة, لم يُكتب لها النجاح لأسباب مختلفة, ليس أقلها «حجم» التنازلات وهدر الحقوق الفلسطينية. على النحو الذي كانت عليه ما سُمّيت «وثيقة جنيف». وهي إحدى الاتفاقيات «غير الرسمية» التي وقعتها شخصيات فلسطينية على رأسها وزير الإعلام الفلسطيني السابق ياسر عبد ربه، مع بيلين في سويسرا. في الأول من كانون الثاني/2003. والتي أثارت بنودها الخاصة باللاجئين (من ضمن القضايا المصيرية) غضباً واسعاً في صفوف الشعب الفلسطيني. وقبل ذلك اتفاق «بيلين ـ عباس», في تشرين الأول/1995, أما بعدهما في شباط/2022, فجاء اتفاق «بيلين ــ هِبة الح?يني», الداعي الى إقامة «كونفيدرالية فلسطينية ـ إسرائيلية».
هذا هو يوسي بيلين الذي كتبَ مقالة في صحيفة «إسرائيل هيوم» العبرية, تحت عنوان: «إنطلِق يا غالانت» جاء فيها: أقترِحُ عليكَ يا غالانت أن تقبل التحدّي وتقِف أمام محكمة الجنايات الدولية, لتعرض «حُجتك وحُجتنا» أمامها وأمام العالم. مُبرراً دعوته هذه بسرد وتوصيف لا يخلو من «بعض الإشارات", عندما أضاف «المكانة السياسية لإسرائيل وصلت دركاً لم يسبق له مثيل أبداً». هذا يُؤثر على النوايا لِترك البلاد، على اقتصاد إسرائيل وعلى يهود العالم. لا يمكن اقناعهم ـ تابعَ بيلين ـ بأن إسرائيل هي المكان الأكثر أمناً لليهود في العالم? ومستوى المُخاطرة التي يتعرّضون لها في الشتات، فيما لا يُخفون هويتهم اليهودية، عالٍ جداً.
ثم يشرَع بحملة تضليل مُحاولاً تحميل «نتنياهو» وحكومته فقط, ما تقوله وسائل الإعلام العالمية, «دون أن يُقِر بيلين بِصِحّتها» على النحو التالي: المشاهد التي تُعرَض في وسائل الإعلام العالمية, هي لِرُضّع فلسطينيين يُحرَقون في غزة، ومُستشفيات نقصفها نحن، فيما أن «التفسيرات» التي تُسمِعها الجهات الإسرائيلية، الرسمية وغير الرسمية، هي بشكل عام «مُثيرة للشفقة"!. إلى هذا تُضاف ـ واصلَ ـ تبجُّحات وزراء إسرائيليين يطرحون اقتراحات عنصرية وحشية, تتضارب «ظاهراً» والقانون الدولي، تُلوننا جميعا بألوان الأبرتهايد. رئيس الوزر?ء ـ لفت بيلين ـ لم يَعُد منذ زمن بعيد, يحاول التصدي للتدهور السريع. ويُوجد في ذروة جهوده لرد النذر، في مجال محاكمته.
يعود «بيلين» إلى تفسير الأسباب التي دفعته إلى توجيه دعوة كهذه لـ"غالانت» بالقول: على هذه الخلفية، يا غالانت، أنتَ تجد نفسكَ إلى جانب نتنياهو، «كريه روحك، ممنوع من التحرّك في معظم دول العالم", طالما كانت أوامر المحكمة الجنائية الدولية سارية المفعول. لكن لا يدور الحديث عنك فقط. دولةٌ.. رئيسُ وزرائها ووزيرُ دفاعها, يتلقّيان أوامر اعتقال تُقيّد حركتهما، «تفقِد غير قليل من مكانتها في النادي الدولي الذي ننتمي إليه»، والذي ـ زعمَ بيلين ـ نُريد نحن أن نكون أعضاء فيه. في السنة الأخيرة فقط ـ لفت الكاتب ـ هبطنا بسبع ?راتب في المؤشر السنوي للدول الديمقراطية، وقرار الجنائية دهورنا إلى الأسفل، دون أن تكون في أيدينا ـ استطردَ بيلين ـ الأدوات لأن نشرح، نُوضح أو حتى نعتذِر عن أمور زائدة أو مُدينة لنا (لأسفي مُحرِجَة أيضاً وأساساً تحت الصدمة الفورية لأحداث/7 أكتوبر).
ماذا بعد؟. يعود بيلين إلى جذوره الصهيونية الفاشية إذ يقول: وعليه، فاني أقترح عليك «التفكير بجدية» في إمكانية أن تقف طوعاً وبمبادرتك, أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. أَعرِف أنه يوجد في هذا مخاطرة، لكنك «يُضيف» سبقَ أن اثبتَ قُدرتك على أخذ المخاطر في أثناء حياتك. وقوفك، بحد ذاته يعطيك نقاط تفوّق. وذلك شريطة «واصلَ بيلين» أن تضعَ الدولة تحت تصرفك المساعدة اللازمة, للدفاع عنك قضائيا و"الدفاع عنا جميعنا». هذه ستكون"فرصة نادرة لأن نَعرِض أمام العالم الحُجَّة الإسرائيلية بكاملها»، أن نَصِف «اليوم الرهيب إيا? في بلدات غلاف غزة»، والإجراءات التي «أخذتها إسرائيل وتتّخَذها كي تُقلص عدد المُصابين الفلسطينيين». ما كانت أي دولة في العالم ـ يُبرر بيلين حرب الإبادة ـ لتتصور الاّ تعمل في أعقاب السبت الأسود»، و"لا يدور الحديث عن ثأر بل عن ردع, وإبعاد الاحتمال في أن تتكرر مثل هذه الخطوة». عندما (تصطدِم مُنظمة إرهاب بإسرائيل ـ يختِم نبي السلام المُزيف ـ فإنها مُلزَمَة, بأن تأخذ بالحسبان, بأن الطريق التي سيعمل بها الجيش, سّتتسبّب بـ"اصابات عديدة").
** استدراك:
قال وزير الحرب الصهيوني الأسبق/ الجنرال اليميني المتطرف/ موشيه يعلون (شغلَ منصبه بين العامين/2013 ــ 2016)، في مقابلة مع قناة «democratv» الإسرائيلية أول أمس/السبت: إن دولة الاحتلال تُنفذ «تطهيراً عِرقياً» شمالي قطاع غزة. كما اتهمَ/يعالون مُجرم الحرب/نتنياهو بقيادة دولة الاحتلال إلى «الخراب». وحول سياسة حكومة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو في الضفة الغربية وقطاع غزة قال يعلون: «يتم جرّنا الآن للاحتلال، والضمّ، والتطهير العرِقي- أُنظروا ـ أضافَ ـ إلى شمال القطاع والتهجير، والاستيطان اليهودي». إن نتنياهو ـ كر?رَ يعلون ـ يقود إسرائيل نحو «الخراب».
kharroub@jpf.com.jo