أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة جاهات واعراس الموقف شكوى مستثمر شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الزيود تكتب: التكتيك الأمريكي - الإسرائيلي في سوريا: إسقاط النظام خارج الأجندة والمناورة مستمرة


دعاء الزيود

الزيود تكتب: التكتيك الأمريكي - الإسرائيلي في سوريا: إسقاط النظام خارج الأجندة والمناورة مستمرة

مدار الساعة ـ
مع دخول الحرب السورية عامها الثالث عشر، بات من المؤكد أن فكرة إسقاط النظام السوري لم تكن أبدًا هدفًا استراتيجيًا على أجندة الولايات المتحدة وإسرائيل. ومنذ اندلاع الصراع، لم يتجاوز التدخل الأمريكي-الإسرائيلي حدود توجيه الصراع الداخلي بهدف تحقيق مصالحهما الجيوسياسية دون التورط المباشر في إسقاط نظام دمشق. واليوم، تبرز العمليات العسكرية المتسارعة في شمال سوريا كأداة جديدة للضغط الإقليمي، تحمل رسائل سياسية تتجاوز الجغرافيا السورية إلى موازين القوى الإقليمية.
السياسة الأمريكية تجاه سوريا اعتمدت على معادلة واضحة منذ البداية: إضعاف النظام دون إسقاطه. لم يكن الهدف الأمريكي إيجاد فراغ سياسي قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة، بل كان التركيز على استنزاف سوريا سياسيًا، واقتصاديًا، وعسكريًا. هذا النهج، الذي تمثل في دعم مجموعات مسلحة مختلفة، فرض عقوبات اقتصادية خانقة، واحتلال مناطق استراتيجية غنية بالنفط والغاز، يعكس حرص واشنطن على التحكم بإيقاع الصراع بما يخدم مصالحها في المنطقة.
إسرائيل، بدورها، لم ترَ في إسقاط النظام السوري خيارًا استراتيجيًا. النظام الحالي، رغم علاقاته الوثيقة بإيران وحزب الله، يظل طرفًا يمكن التنبؤ بتصرفاته مقارنة بالبدائل المحتملة المتمثلة بفوضى قد تتيح لجماعات متطرفة تعزيز وجودها على حدودها الشمالية. العمليات الإسرائيلية في سوريا، المتمثلة بالغارات الجوية على أهداف مرتبطة بإيران وحزب الله، تسعى لتقليم أظافر النفوذ الإيراني دون تغيير شامل في طبيعة النظام السوري.
في هذا السياق، تشكل العمليات العسكرية في شمال سوريا واجهة جديدة لتشابك المصالح الدولية والإقليمية. تركيا، التي تدير سياسة خارجية قائمة على التوسع الإقليمي عبر بوابة "الأمن القومي"، تجد في التحركات العسكرية وسيلة للضغط على النظام السوري، الذي رفض الاستجابة لدعوات التطبيع برعاية روسية. أنقرة تدرك أن قبول دمشق بالتطبيع وفق شروطها سيعني، ضمنيًا، تحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بتحجيم النفوذ الكردي على حدودها الجنوبية.
على الجانب الآخر، تسعى الولايات المتحدة، من خلال وجودها العسكري في مناطق شرق الفرات، إلى تقويض النفوذ الإيراني في سوريا. هذا الوجود ليس مجرد عنصر داعم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بل هو جزء من استراتيجية أوسع لمحاصرة النفوذ الإيراني الممتد عبر العراق وسوريا ولبنان. لذلك، يمكن قراءة التحركات الأمريكية في شمال سوريا كجزء من سباق مع الوقت، تهدف فيه واشنطن إلى احتواء أي مكاسب إيرانية محتملة قبل الوصول إلى أي ترتيبات سياسية نهائية للأزمة السورية.
ورغم تصاعد العمليات العسكرية في الشمال السوري، يبدو أن النظام السوري يتبنى استراتيجية تقوم على كسب الوقت والثبات أمام الضغوط الخارجية. رفض دمشق للتطبيع مع أنقرة يعكس قراءة سياسية دقيقة مفادها أن تركيا بحاجة إلى التفاهم مع النظام أكثر من العكس. النظام السوري يدرك أن محاولات فرض الشروط التركية لن تحظى بالدعم الكامل من موسكو، التي تبحث عن توازن يحفظ مصالحها في سوريا.
ما يحدث في شمال سوريا اليوم ليس مجرد فصل جديد في الأزمة السورية، بل هو تعبير عن تحول الصراع إلى حرب نفوذ إقليمية ودولية متعددة الأطراف. في هذا المشهد المعقد، يظل النظام السوري لاعبًا قادرًا على البقاء رغم التحديات، بينما تستمر القوى الإقليمية والدولية في توظيف الصراع السوري لتحقيق أجنداتها الخاصة.
في المحصلة، لا تزال الأزمة السورية محكومة بمعادلات إقليمية ودولية معقدة تجعل من فكرة الحل الشامل أمرًا بعيد المنال. العمليات العسكرية في الشمال السوري تحمل رسائل متعددة الأطراف، لكنها لا تغير من حقيقة أن النظام السوري أصبح عنصرًا ثابتًا في هذه المعادلة. ومع استمرار هذا النهج الأمريكي-الإسرائيلي، يبدو أن الصراع في سوريا سيظل مرهونًا بالتوازنات الدقيقة بين القوة العسكرية والتحركات السياسية الدولية، وهو ما يجعل المرحلة المقبلة مليئة بالتعقيدات والاحتمالات.
مدار الساعة ـ