مدار الساعة - ناقش أكاديميون يوم السبت مضامين كتاب "زنبقة الصخر (سيرة ذاتية)" للفنان التشكيلي محمد الدغليس، إلى جانب معرض الصور الذي يتضمنه الكتاب.
الحفل الذي أقيم في منتدى الرواد الكبار، جاء برعاية مديرة المنتدى هيفاء البشير، وبإدارة المستشارة الثقافية للمنتدى القاصة سحر ملص.
شارك في الحفل كل من الاكادميين د. زياد أبو لبن، الدكتورة دلال عنبتاوي، بدأ الحفل بكلمة ألقتها هيفاء البشير، التي قالت: "يسعدنا في هذه الليلة الجميلة أن نحتفي بكتاب الفنان والمهندس المعماري محمد الدغليس، وبمشاركة ناقدين مميزين من نقادنا وأدبائنا أصحاب الذائقة الأدبية الرفيعة، الدكتور زياد أبو لبن، والدكتورة دلال عنبتاوي، للحديث عن سيرة صاخبة تحمل عنوان 'زنبقة الصخر'، للفنان الدغليس، وهو أحد أعضاء منتدى الرواد المميزين.
وأشارت البشير إلى أن الكتاب يتناول سيرة ذاتية تروي تفتح روح وآفاق صبي مرهف الإحساس عاشق للطبيعة، نشأ في قرية سلفيت في الضفة الغربية، وتنقل ما بين سلفيت وعمان والزرقاء وهو لا يزال في سن الطفولة. عمل منذ الصغر لمساندة ودعم عائلته، فكان يحمل باقات الميرمية، يعبر بها نهر الأردن ويقطع المسافات ليبيعها في مدينة الزرقاء، وسط صعوبات كثيرة صادفها في حياته.
ليدرك مبكرًا أن درب الحياة شاق، وأن أجمل الزنابق ما نبت من بين الصخور. ومن ثم، التحق بإحدى الجامعات التركية، حيث خاض رحلات ومغامرات صقلت شخصيته، ليعود إلى الأردن بعد سنوات، ويصبح أحد المهندسين المعماريين الذين يُشار لهم بالبنان. واستسقى من جذور الحياة ومنابعها لوحاته المميزة، وكل ذلك دفعه لكتابة هذه السيرة الذاتية المميزة.
قالت الدكتورة دلال عنبتاوي: "هذه ليست المرة الأولى التي أتحدث فيها عن الفنان الرسام التشكيلي المبدع المهندس محمد الدغليس، بل هي المرة الثانية بعد مشاركتي السابقة في إشهار هذا المنجز الروائي الأول "زنبقة الصخر". وربما يكون غريبًا أن نلتقي في هذا المساء لنناقش رواية الدغليس، وغزة تحترق أمام مرأى ومسمع هذا الصمت العالمي، وجبروت إسرائيل وأمريكا وكل دول العالم المتقدم الذي استقوى وتجبَّر على الأطفال والنساء فيها، مبينة أن ما يهون علينا هو أن هذه الرواية تدور أحداثها في أتون ما نحن فيه الآن، وفي مداراته. فهي سيرة إنسان فلسطيني كتبها وهو يعيش لحظات مراراتها منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، الذي ما زال فيه الفلسطيني يدفع ثمن فلسطينيته قهرًا وذلًا وتنكيلا وتهجيرًا.
وقالت عنبتاوي إن الدغليس، المهندس والمعماري المتميز والفنان التشكيلي، ما زال يقاوم حتى الآن بريشته وألوانه وذاكرته التي لم تغادر فلسطين يومًا. فهو يمتلك حياة زاخرة بالعمل والعطاء، وهو من مواليد قرية سلفيت قضاء نابلس. وأوضحت أن رواية "زنبقة الصخر" هي أول عمل روائي له، وهي تحكي سيرة كل فلسطيني، وتؤرخ وتوثق ذلك الظلم الذي عشناه وعاشه وما زال الفلسطينيون يعيشون به حتى الآن.
وأشارت عنبتاوي إلى أن الدغليس في هذه السيرة يضع القارئ أمام المسؤولية الوجدانية إزاء ما سيقرأ، ويكشف صلابة الصخر وقساوته مقابل الزنبقة ورقّتها وليونتها، فكأن الوجود ينبثق من العدم، والممكن من المستحيل. ومن خلال هذا العنوان، يرسم الدغليس أمام القارئ حقيقة ذاته في تدوين محكياته منذ طفولته وصباه حتى انتهاء مرحلة التعليم. ما زال الدغليس يقاوم حتى الآن بريشته وألوانه وذاكرته التي لم تغادر فلسطين يومًا.
وخلصت عنبتاوي إلى أن هذه الرواية هي سيرة ذاتية، ومعروف أن الدخول إلى عالم السيرة الذاتية عالم محفوف بالمخاطر؛ فهو كالسير في حقل من الألغام لا يستطيع الشخص خوضه إلا إذا كان يمتلك من الحذاقة والحرفية ما يكفي، بل والكثير جدًا، للخوض في عوالم متشعبة ومغرقة في دهاليزها وغموضها. إلا أن هذه الرواية استطاعت أن تحاذي ذلك، وظلت الذات تسير فيها بل وتتعمق في الكثير من الأحيان دون المساس أو الاقتراب من العوالم الشائكة التي قد تأخذها في مسارات لا تريدها أو لا ترغب في الحديث عنها. إنها سيرة ثرية وعظيمة، وتستحق أن تقرأ بكل تفاصيلها.
من جانبه، قال د. زياد أبو لبن: "نحتفل بسيرة الفنان التشكيلي الدغليس، التي تتشابك مع الواقع الاجتماعي والعملي والعلمي، بدءًا من مرحلة الطفولة وصولاً إلى العمل المهني. هذه السيرة تمثّل الجزء الأول من حياته، سيتبعها بجزء ثانٍ يتعلق بسيرته في الفن التشكيلي وما أحاط بها. ومن يقرأ هذه السيرة سيكتشف حجم المعاناة التي مر بها الدغليس في حياته، معاناة ملؤها الألم والأمل معًا. إنها حياة الفتى الفلسطيني الذي عاش طفولته وسنوات قليلة من العمل في قريته 'سلفيت'، قضاء مدينة نابلس الفلسطينية.
وأضاف أبو لبن أن الدغليس تحرّى الصدق والحقيقة في رصد تفاصيل حياته، حيث سرد سيرته بلغة مباشرة تصل إلى مختلف القراء بغض النظر عن ثقافاتهم. كان بعيدًا عن إغراق اللغة بجمالياتها الفنية، إذ كان هدفه أن يُمتع القارئ بسرد سيرته، وأن يسجل وقائع وتجارب ومغامرات تمثل نموذجًا للفتى الفلسطيني المكافح. سعى للوصول إلى هدف رسمه منذ كان طالبًا على مقاعد الدراسة في "سلفيت"، مرورًا بدراسته الجامعية في إسطنبول، وما لقيه الفتى طوال هذه الرحلة من صعاب وعذابات وتحديات وآلام وآمال وأحلام تحققت بإرادة وعزم.
وقال أبو لبن إن الدغليس كان صريحًا في سيرته حتى حد الفجيعة بما أصابه من قسوة أبيه في طفولته، وما لاقاه من حنان ورعاية من أمه المغلوب على أمرها في مجتمع محافظ. كما سرد ما اعترى حياته من تشرّد وضياع في شوارع عمّان وأزقتها، إلى حياة كفاح في إسطنبول أثناء دراسته الجامعية، وما رافقها من مغامرات شاب وجد في هذه المدينة حياة منفتحة بلا حدود. ثم انتقل إلى حياة في مدينة عمّان، لا تقل قسوتها عن تلك التي عاشها في قريته "سلفيت". وبين بارقة الأمل والألم، وما بين الحزن والفرح، استطاع أن يشق طريقًا صعبًا ليصل إلى مكانة مرموقة في العمل الهندسي يُشار لها بالبنان.
وخلص أبو لبن إلى أن الدغليس، رغم ما تعرّض له في غربته، وما قُدّم له من إغراءات قد تنقله من واقع مأساوي بمعنى الكلمة إلى رفاهية الحياة، ظلّت "سلفيت" حاضرة في وجدانه. لم يغِب عن عينيه وطن محتلّ، وعائلة تنتظر ابنها منقذ الفقر والحرمان. كما ظلّ ضميره الحيّ يقظًا لا يُهادن ولا يلين أمام هذه الإغراءات. موضحًا أنه في انتظار أن تكتمل في جزئها الثاني، وسيجد القارئ ما لا أستطيع الإحاطة به في هذه المقدمة. فمحمد الدغليس لم يُبقِ شاردة ولا واردة في حياته إلا وخطّها قلمه في هذا السِفر، وسيجد القارئ في "التمهيد" ما يُيسّر عليه الدخول إلى عوالم الكاتب.