ألقى دولة السيد أحمد عبيدات كلمة في حفل إشهار كتاب "إشراقة عالم متعدد الأقطاب" للدكتور حسام العتوم في المكتبة الوطنية بعمان بتاريخ 28/11/2024 جاء فيها: (على الرغم مما يعاني منه العالم من هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، إلا أنني ولسبب من الأسباب، لم أجد نفسي قادراً على تفهم أطروحة فوكوياما بنهاية التاريخ، أو أن آخذها على محمل الجد آنذاك.
ولم يرعبني كابوس انسداد الأفق الإنساني في وجه الفرصة لبزوغ فجر جديد ينهي هيمنة الديمقراطية الرأسمالية الليبرالية الأمريكية المتوحشة على العالم، التي حاول فوكوياما ومن خلفه التبشير بها.
وقد تأكد صحة حدسي هذا عندما عصفت الأزمة المالية في عام 2008 بالنظام الرأسمالي في الولايات المتحدة وما واجهته اقتصادات العالم جرّاء تلك الأزمة من صعوبات أثّرت سلباً على استقرار معيشة شعوبها، وما تبع ذلك بعد سنوات من الحروب الإمبريالية المدمرة التي قادتها الولايات المتحدة على العالم، وبشكل رئيسي في منطقتنا، بانتشار جائحة كورونا التي تزامنت مع الحرب الروسية في أوكرانيا في عام 2022، والتي زعزعت، بلا شك، بنى النظام العالمي الأمريكي آحادي القطبية الذي ساد منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.
أريد أن أشير هنا، إلى أن هذا العالم كان يسوده نظام ثنائي القطبية بُعيد الحرب العالمية الثانية، بهيمنة الاتحاد السوفيتي على جزء منه والولايات المتحدة على الجزء الآخر، وبتكافوء اقتصادي وعسكري واستراتيجي فيما بينهما، ولكن دون أي تكافؤ أخلاقي.
فعلى الرغم من أننا في هذا البلد كنا وما نزال ندور في فلك الهيمنة الأمريكية منذ عصر الحرب الباردة إلى اليوم، إلّا أننا كنا ندرك دائما أن الأيدولوجية الأمريكية، إذ صح أن نسميها كذلك، هي أيدولوجيا مضادة للمكاسب الاجتماعية والثقافية والأخلاقية ولحقوق الطبقات الفقيرة، والحركات النقابية، وتطلعات العالم الثالث للتقدم بصفة عامة. وهي تفرض الدّوْلَرَة على الاقتصاد العالمي والتحكم بأسعار النفط بالعنف والقهر والقوة العسكرية.
ومع ذلك، هناك إرهاصات تشير إلى أن النظام آحادي القطبية يواجه أزمات متعددة وهو آخذ بالاقتراب من نهايته، ولعل هذا يؤدي إلى بداية توجه نحو عالم متعدد الأقطاب تتراجع فيه الهيمنة الأمريكية لمصلحة الصين وروسيا التي لا تزال تخوض عمليتها العسكرية في أوكرانيا بمواجهة القطبية الآحادية العالمية.
والصين وروسيا، لا يمكن وصفهما بأنهما قوى اقتصادية وتكنولوجية هائلة محمولة على حاملات الطائرات والقواعد العسكرية حول العالم، بل هما دولتان قائمتان على شعوب ذات حضارات ضاربة في عمق التاريخ الإنساني.
وإذا ما تأملنا قليلا في العديد من الإرهاصات والمؤشرات حولنا في العالم، فهناك أمل لا يزال في حضارات صاعدة بقوى تكنولوجية واقتصادية متميزة، مرشحة لتكون جزءً من العالم متعدد الأقطاب المأمول، مثل الهند وإيران وباكستان وتركيا وأندونيسيا، المشاريع الصاعدة في إفريقيا ووسط وجنوب القارة الأمريكية.
وهناك حضارات أخرى في العالم، إذا ما أدركت أن المستقبل يكمن في التكامل والتعاضد وتجاوز أسباب الهزيمة والانكفاء، فإنها قد تتمكن من أن تكون جزءً من هذا المستقبل متعدد القطبية المأمول، وأقصد هنا الحضارة العربية الإسلامية بمسحييها وشعيتها وسنتها، والتي تشكل، إذا ما اجتمعت، كتلة اقتصادية وجغرافية وبشرية متنوعة، لا يمكن تجاوزها في عالم متعدد الأقطاب، وهي بلا شك قادرة على أن تعيد، مرة أخرى، تاريخها في التفاعل والتكامل مع هذا العالم الذي كان دائمًا متعدد الأقطاب .
لقد كانت مبادرة الدكتور حسام العتوم، بالنسبة لي شخصياً، حافزاً لأذكر نفسي دائماً، على الرغم مما يدور في منطقتنا اليوم من المآسي، أن العالم لا يدور حولنا وحدنا، فشكراً جزيلاً على هذه الإشراقة.